ذلك لأن كل إحساسات العالم تتجسم في أعماق السحب حين تشكلها وزوالها.
خاتمة
الرسالة الأخيرة مهداة إلى أشهر أديبات الترك في عصرنا الحاضر، ولما كنت في ترجمة هذه المقالات وغيرها من الرسائل المكتوبة بقلم صاحبة السمو أميرتنا الجليلة أرمي إلى الوساطة في تمكين المعرفة بين الأدبين التركي والعربي قدر الإمكان، فإنني لا أجد مندوحة من ختم هذا الكتاب بترجمة حياة الأديبة «خالدة هانم» سالفة الذكر نقلا عن مجلة الهلال الغراء التي طالما أفسحت صدرها للمواضيع الدالة على النهضة النسائية بمصر.
المعرب
الهلال، جزء 1 سنة 29
خالدة هانم أول امرأة تقلدت منصب الوزارة
لئن حق للشرقيين أن يفاخروا أهل الغرب بمن نبغ من رجالهم، فأحق بهم وأولى أن يفاخروهم بنبوغ نسائهم؛ ففي الشرق اليوم امرأة نابغة جمعت من السجايا والمواهب ما قلما يتفق للنوابغ رجالا كانوا أو نساء، وهي «خالدة هانم» التركية التي نالت بين أبناء جلدتها بفضل جرأتها وصدق عزيمتها وتوقد وطنيتها مقاما هو غاية ما يصبو إليه الإنسان بين قومه. وهي اليوم ركن من أركان الحركة الوطنية في تركيا، وقد أسندت إليها وزارة المعارف في الحكومة التركية التي أنشأها الوطنيون في الأناضول، ولم نسمع بإسناد منصب رفيع كهذا لامرأة قبلها.
ولا يزال السوريون عموما والبيروتيون خصوصا يتحدثون بإعجاب عن تلك المرأة التركية الجريئة، التي قدمت إلى بلادهم أثناء الحرب الأخيرة بمهمة فتح المدارس وإنشاء الملاجئ للأيتام والفقراء، فقد كانت «خالدة هانم» تسير مع زميلاتها في شوارع بيروت سافرة الوجه وعلامات العمل والنشاط بادية عليها، ولم يكن للبيروتيين عهد بتك الجرأة والحرية في المرأة المسلمة، فأصبحت مدار حديث الأهالي وموضع إعجابهم وقدوة لكثيرات من أخواتها المسلمات.
وقد فتحت «خالدة هانم» أبواب المدارس الفرنسية المقفلة وجعلتها مدارس أهلية وطنية؛ شعارها الاتحاد والوئام ونبذ فكرة التعصب، وكذلك أنشأت الملاجئ للأيتام والفقراء.
ولدت «خالدة هانم» من والدين متوسطي الحال، وكان والدها سكرتيرا في دائرة الخزنة السلطانية الخاصة، وقد بدت على «خالدة هانم» منذ أول حداثتها بوادر الذكاء والفطنة، وكانت تظهر رغبة في المطالعة وميلا للتبحر في العلوم والآداب، ولم يكن يؤذن للبنات الوطنيات في ذلك العهد بدخول المدارس الأجنبية، ولم تكن المدارس الوطنية لتفي بالحاجة. فتوسل والدها إلى السلطان عبد الحميد أن يأذن لابنته بدخول الكلية الأمريكية في الأستانة، فأذن له فدخلتها، ولم يمض زمن على ذلك حتى برزت على أقرانها، وتخرجت سنة 1901 بكالوريوس علوم، وهي في الغالب أول امرأة مسلمة نالت هذا اللقب.
Shafi da ba'a sani ba