بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون صلى الله عليه وآله إلى يوم الدين أما بعد من سليمان بن عبد الوهاب إلى حسن بن عيدان سلام على من اتبع الهدى وبعد قال الله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (الآية) وقال النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة وأنت كتبت إلي أكثر من مرة تستدعي ما عندي حيث نصحتك على لسان ابن أخيك فها أنا أذكر لك بعض ما علمت من كلام أهل العلم فإن قبلت فهو المطلوب والحمد لله وإن أبيت فالحمد لله فإنه سبحانه لا يعصى قهرا وله في كل حركة وسكون حكمة (فنقول) اعلم أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وأنزل عليه الكتاب تبيانا لكل شئ فأنجز الله له ما وعده وأظهر دينه على جميع الأديان وجعل ذلك ثابتا إلى آخر الدهر حين انخرام أنفس جميع المؤمنين وجعل (أمته) خير الأمم كما أخبر بذلك بقوله كنتم خير أمة أخرجت للناس وجعلهم شهداء على الناس قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس واجتباهم كما قال تعالى هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج الآية وقال
Shafi 2
النبي صلى الله عليه وسلم أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله ودلائل ما ذكرنا لا تحصى وقال صلى الله عليه وسلم لا يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة رواه البخاري وجعل اقتفاء أثر هذه الأمة واجبا على كل أحد بقوله تعالى ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا وجعل إجماعهم حجة قاطعة لا يجوز لأحد الخروج عنه ودلائل ما ذكرنا معلومة عند كل من له نوع ممارسة في العلم (اعلم) أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أن الجاهل لا يستبد برأيه بل يجب عليه أن يسأل أهل العلم كما قال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال صلى الله عليه وسلم هل لا إذا لم يعلموا سألوا فإنما دواء العي السؤال وهذا إجماع قال في غاية السؤال قال الإمام أبو بكر الهروي أجمعت العلماء قاطبة على أنه لا يجوز لأحد أن يكون إماما في الدين والمذهب المستقيم حتى يكون جامعا هذه الخصال (وهي) أن يكون حافظا للغات العرب واختلافها ومعاني أشعارها وأصنافها واختلاف العلماء والفقهاء ويكون عالما فقيها وحافظا للأعراب وأنواعه والاختلاف عالما بكتاب الله حافظا له ولاختلاف قراءته واختلاف القراء فيها عالما بتفسيره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وقصصه عالما بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مميزا بين صحيحها وسقيمها ومتصلها ومنقطعها ومراسيلها ومسانيدها ومشاهيرها وأحاديث الصحابة موقوفها ومسندها ثم يكون ورعا دينا صائنا لنفسه صدوقا ثقة يبني مذهبه ودينه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا جمع هذه الخصال فحينئذ يجوز أن يكون إماما وجاز أن يقلد ويجتهد في دينه وفتاويه وإذا لم يكن جامعا لهذه الخصال أو أخل بواحدة منها كان ناقصا ولم يجز أن يكون إماما وأن يقلده الناس قال (قلت) وإذا ثبت أن هذه شرائط لصحة الاجتهاد والإمامة فقد كل من لم يكن كذلك أن يقتدي بمن هو بهذه الخصال المذكورة (وقال) الناس في الدين على قسمين مقلد ومجتهد والمجتهدون مختصون بالعلم وعلم الدين يتعلق بالكتاب والسنة واللسان العربي الذي وردا به فمن كان فيما يعلم الكتاب والسنة وحكم ألفاظهما ومعرفة الثابت من أحكامهما والمنتقل من الثبوت بنسخ أو غيره والمتقدم والمؤخر صح اجتهاده وأن يقلده من لم يبلغ درجته وفرض من ليس بمجتهد أن يسأل ويقلد وهذا لا اختلاف فيه انتهى انظر قوله وهذا لا خلاف
Shafi 3
فيه وقال ابن القيم في إعلام الموقعين لا يجوز لأحد أن يأخذ من الكتاب والسنة ما لم يجتمع فيه شروط الاجتهاد ومن جميع العلوم قال أحمد بن المنادي سأل رجل أحمد بن حنبل إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث هل يكون فقيها قال لا قال فمأتي ألف حديث قال لا قال فثلاث مائة ألف حديث قال لا قال فأربع مائة قال نعم قال أبو الحسين فسألت جدي كم كان يحفظ أحمد قال أجاب عن ستمائة ألف حديث قال أبو إسحاق لما جلست في جامع المنصور للفتيا ذكرت هذه المسألة فقال لي رجل فأنت تحفظ هذا المقدار حتى تفتى الناس قلت لا إنما أفتي بقول من يحفظ هذا المقدار (انتهى) ولو ذهبنا نحكي من حكى الإجماع لطال وفي هذا لكفاية للمسترشد وإنما ذكرت هذه المقدمة لتكون قاعدة يرجع إليها فيما نذكره فإن اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ومن خالفه فهو عنده كافر هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد ولا والله عشر واحدة ومع هذا فراج كلامه على كثير من الجهال فإنا لله وإنا إليه راجعون (الأمة) كلها تصيح بلسان واحد ومع هذا لا يرد لهم في كلمة بل كلهم كفار أو جهال (اللهم) اهد الضال ورده إلى الحق فنقول قال الله عز وجل إن الدين عند الله الإسلام وقال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منة وقال تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وفي الآية الأخرى فإخوانكم في الدين قال ابن عباس حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة وقال أيضا لا تكونوا كالخوارج تؤولوا آيات القرآن في أهل القبلة وإنما نزلت في أهل الكتاب والمشركين فجهلوا علمها فسفكوا بها الدماء وانتهكوا الأموال وشهدوا على أهل السنة بالضلالة فعليكم بالعلم بما نزل فيه القرآن انتهى وكان ابن عمر يرى الخوارج شرار الخلق قال إنهم عمدوا في آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين رواه البخاري عنه فحينئذ ذكر الله عز وجل أن الدين عند الله الإسلام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل في الصحيحين الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (الحديث) وفي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله (الحديث) وفي حديث وفد عبد القيس آمركم بالإيمان
Shafi 4
بالله وحده أتدرون ما الإيمان بالله وحده شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الحديث وهو في الصحيحين وغير ذلك من الأحاديث وصف الإسلام بالشهادتين وما معهما من الأركان وهذا إجماع من الأمة بل أجمعوا أن من نطق بالشهادتين أجريت عليه أحكام الإسلام لحديث أمرت أن أقاتل الناس ولحديث الجارية أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة وكل ذلك في الصحيحين ولحديث كفوا عن أهل لا إله إلا الله وغير ذلك قال ابن القيم أجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقد دخل في الإسلام انتهى وكذلك أجمع المسلمون أن المرتد إذا كانت ردته بالشرك فإن توبته بالشهادتين وأما القتال إن كان ثم إمام قاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وكل هذا مسطور مبين في كتب أهل العلم من طلبه وجده فالحمد لله على تمام الإسلام (فصل) إذا فهمتم ما تقدم فإنكم الآن تكفرون من شهد أن لا إله إلا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله ملتزما لجميع شعائر الإسلام وتجعلونهم كفارا وبلادهم بلاد حرب فنحن نسألكم من إمامكم في ذلك وممن أخذتم هذا المذهب عنه فإن قلتم كفرناهم لأنهم مشركون بالله والذي منهم ما أشرك بالله لم يكفر من أشرك بالله لأن سبحانه قال إن الله لا يغفر أن يشرك به (الآية) وما في معناها من الآيات وأن أهل العلم قد عدوا في المكفرات من أشرك بالله (قلنا) حق الآيات حق وكلام أهل العلم حق ولكن أهل العلم قالوا في تفسير أشرك بالله أي ادعى أن لله شريكا كقول المشركين هؤلاء شركاؤنا وقوله تعالى وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء وإذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون اجعلوا الآلهة إلها واحدا إلى غير ذلك مما ذكره الله في كتابه ورسوله وأهل العلم ولكن هذه التفاصيل التي تفصلون من عندكم أن من فعل كذا فهو مشرك وتخرجونه من الإسلام من أين لكم هذا التفصيل استنبطتم ذلك بمفاهيمكم فقد تقدم لكم من إجماع الأمة أنه لا يجوز لمثلكم الاستنباط الكم في ذلك قدوة من إجماع أو تقليد من يجوز تقليده مع أنه لا يجوز للمقلد أن يكفر إن لم تجمع الأمة على قول متبوعه فبينوا لنا من أين أخذتم مذهبكم هذا ولكم علينا عهد الله وميثاقه إن بينتم لنا حقا يجب المصير إليه لنتبع الحق إن شاء الله فإن كان المراد مفاهيمكم
Shafi 5
فقد تقدم أنه لا يجوز لنا ولا لكم ولا لمن يؤمن بالله واليوم الآخر الأخذ بها ولا نكفر من معه الإسلام الذي أجمعت الأمة على من أتى به فهو مسلم فأما الشرك ففيه أكبر وأصغر وفيه كبير وأكبر وفيه ما يخرج من الإسلام وفيه ما لا يخرج من الإسلام وهذا كله بإجماع وتفاصيل ما يخرج مما لا يخرج يحتاج إلى تبين أئمة أهل الإسلام الذي اجتمعت فيهم شروط الاجتهاد فإن أجمعوا على أمر لم يسع أحد الخروج عنه وإن اختلفوا فالأمر واسع فإن كان عندكم عن أهل العلم بيان واضح فبينوا لنا وسمعا وطاعة وإلا فالواجب علينا وعليكم الأخذ بالأصل المجمع عليه واتباع سبيل المؤمنين وأنتم تحتجون أيضا بقوله عز وجل لئن أشركت ليحبطن عملك وبقوله عز وجل في حق الأنبياء ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون وبقوله تعالى ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا فنقول نعم كل هذا حق يجب الإيمان به ولكن من أين لكم أن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إذا دعى غائبا أو ميتا أو نذر له أو ذبح لغير الله أو تمسح بقبر أو أخذ من ترابه إن هذا هو الشرك الأكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه وأنه الذي أراد الله سبحانه من هذه الآية وغيرها في القرآن فإن قلتم فهمنا ذلك من الكتاب والسنة قلنا لا عبرة بمفهومكم ولا يجوز لكم ولا لمسلم الأخذ بمفهومكم فإن الأمة مجمعة كما تقدم أن الاستنباط مرتبة أهل الاجتهاد المطلق ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على أحد الأخذ بقوله دون نظر قال الشيخ تقي الدين من أوجب تقليد الإمام بعينه دون نظر أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل انتهى وإن قلتم أخذنا ذلك من كلام بعض أهل العلم كابن تيمية وابن القيم لأنهم سموا ذلك شركا (قلنا) هذا حق ونوافقكم على تقليد الشيخين إن هذا شرك ولكن هم لم يقولوا كما قلتم إن هذا شرك أكبر يخرج من الإسلام وتجري على كل بلد هذا فيها أحكام أهل الردة بل من لم يكفرهم عندكم فهو كافر تجري عليه أحكام أهل الردة ولكنهم رحمهم الله ذكروا إن هذا شرك وشددوا فيه ونهوا عنه ولكن ما قالوا كما قلتم ولا عشر معشاره ولكنكم أخذتم من قولهم ما جاز لكم دون غيره بل في كلامهم رحمهم الله ما يدل على أن هذه الأفاعيل شرك أصغر وعلى تقدير أن في بعض أفراده ما هو شرك أكبر على حسب حال قائله ونيته فهم
Shafi 6
ذكروا في بعض مواضع من كلامهم أن هذا لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الذي يكفر تاركها كما يأتي في كلامهم إن شاء الله مفصلا ولكن المطلوب منكم هو الرجوع إلى كلام أهل العلم والوقوف عند الحدود التي حدوا فإن أهل العلم ذكروا في كل مذهب من مذاهب الأقوال والأفعال التي يكون بها المسلم مرتدا ولم يقولوا من نذر لغير الله فهو مرتد ولم يقولوا من طلب من غير الله فهو مرتد ولم يقولوا من ذبح لغير الله فهو مرتد ولم يقولوا من تمسح بالقبور وأخذ من ترابها فهو مرتد كما قلتم أنتم فإن كان عندكم شئ فبينوه فإنه لا يجوز كتم العلم ولكنكم أخذتم هذا بمفاهيمكم وفارقتم الإجماع وكفرتم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم حيث قلتم من فعل هذه الأفاعيل فهو كافر ومن لم يكفره فهو كافر ومعلوم عند الخاص والعام أن هذه الأمور ملأت بلاد المسلمين وعند أهل العلم منهم أنها ملأت بلاد المسلمين من أكثر من سبعمائة عام وأن من لم يفعل هذه الأفاعيل من أهل العلم لم يكفروا أهل هذه الأفاعيل ولم يجروا عليهم أحكام المرتدين بل أجروا عليهم أحكام المسلمين بخلاف قولكم حيث أجريتم الكفر والردة على أمصار المسلمين وغيرها من بلاد المسلمين وجعلتم بلادهم بلاد حرب حتى الحرمين الشريفين اللذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة الصريحة أنهما لا يزالا بلاد إسلام وأنهما لا تعبد فيهما الأصنام وحتى أن الدجال في آخر الزمان يطأ البلاد كلها إلا الحرمين كما تقف على ذلك إن شاء الله في هذه الرسالة فكل هذه البلاد عندكم بلاد حرب كفار أهلها لأنهم عبدوا الأصنام على قولكم وكلهم عندكم مشركون شركا مخرجا عن الملة فإنا لله وإنا إليه راجعون فوالله إن هذا عين المحادة لله ولرسوله ولعلماء المسلمين قاطبة فأعظم من رأينا مشددا في هذه الأمور التي تكفرون بها الأمة النذور وما معها ابن تيمية وابن القيم وهما رحمهما الله قد صرحا في كلامهما تصريحا واضحا إن هذا ليس من الشرك الذي ينقل عن الملة بل قد صرحوا في كلامهم أن من الشرك ما هو أكبر من هذا بكثير كثير وأن من هذه الأمة من فعله وعاند فيه ومع هذا لم يكفروه كما يأتي كلامهم في ذلك إن شاء الله تعالى (فأما النذر) فنذكر كلام الشيخ تقي الدين فيه وابن القيم وهما من أعظم من شدد فيه وسماه شركا فنقول قال الشيخ تقي الدين النذر للقبور ولأهل القبور كالنذر لإبراهيم الخليل عليه السلام أو الشيخ فلان
Shafi 7
نذر معصية لا يجوز الوفاء به وإن تصدق بما نذر من ذلك على من يستحقه من الفقراء أو الصالحين كان خيرا له عند الله وأنفع (انتهى) فلو كان الناذر كافرا عنده لم يأمره بالصدقة لأن الصدقة لا تقبل من الكافر بل يأمره بتجديد إسلامه ويقول له خرجت من الإسلام بالنذر لغير الله قال الشيخ أيضا من نذر إسراج بئر أو مقبرة أو جبل أو شجرة أو نذر له أو لسكانه لم يجز ولا يجوز الوفاء به ويصرف في المصالح ما لم يعرف ربه (انتهى) فلو كان الناذر كافرا لم يأمره برد نذره إليه بل أمر بقتله وقال الشيخ أيضا من نذر قنديل نقد للنبي صلى الله عليه وسلم صرف لجيران النبي صلى الله عليه وسلم (انتهى) فانظر كلامه هذا وتأمله هل كفر فاعل هذا أو كفر من لم يكفره أو عد هذا في المكفرات هو أو غيره من أهل العلم كما قلتم أنتم وخرقتم الإجماع وقد ذكر بن مفلح في الفروع عن شيخه الشيخ تقي الدين ابن تيمية والنذر لغير الله كنذره لشيخ معين للاستغاثة وقضاء الحاجة منه كحلفه بغيره وقال غيره هو نذر معصية (انتهى) فانظر إلى هذا الشرط المذكور أي نذر له لأجل الاستغاثة به بل جعله الشيخ كالحلف بغير الله وغيره من أهل العلم جعله نذر معصية هل قالوا مثل ما قلتم من فعل هذا فهو كافر ومن لم يكفره فهو كافر عياذا بك اللهم من قول الزور كذلك بن القيم ذكر النذر لغير الله في فصل الشرك الأصغر من المدارج واستدل به بالحديث الذي رواه أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم النذر حلفه وذكر غيره من جميع من تسمونه شركا وتكفرون به فعل الشرك الأصغر (وأما الذبح) لغير الله فقد ذكره في المحرمات ولم يذكره في المكفرات إلا أن ذبح للأصنام أو لما عبد من دون الله كالشمس والكواكب وعده الشيخ تقي الدين في المحرمات الملعون صاحبها كمن غير منار الأرض أو من ضار مسلما كما يأتي في كلامه إن شاء الله تعالى وكذلك أهل العلم ذكروا ذلك مما أهل به لغير الله ونهوا عن أهله ولم يكفروا صاحبه وقال الشيخ تقي الدين كما يفعله الجاهلون بمكة شرفها الله تعالى وغيرها من بلاد المسلمين من الذبح للجن ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبايح الجن (انتهى) ولم يقل الشيخ من فعل هذا فهو كافر بل من لم يكفره فهو كافر كما قلتم أنتم وأما (السؤال) من غير الله فقد فصله الشيخ تقي الدين رحمه الله إن كان السائل يسأل من المسؤول مثل غفران الذنوب وإدخال الجنة والنجاة من النار
Shafi 8
وإنزال المطر وإنبات الشجر وأمثال ذلك مما هو من خصائص الربوبية فهذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل ولكن الشخص المعين الذي فعل ذلك لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الذي يكفر تاركها كما يأتي بيان كلامه في ذلك إن شاء الله تعالى (فإن قلت) ذكر عنه في الإقناع أنه قال من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعا (قلت) هذا حق ولكن البلاء من عدم فهم كلام أهل العلم لو تأملتم العبارة تأملا تاما لعرفتم أنكم تأولتم العبارة على غير تأويلها ولكن هذا من العجب تتركون كلامه الواضح وتذهبون إلى عبارة مجملة تستنبطون منها ضد كلام أهل العلم وتزعمون أن كلامكم ومفهومكم إجماع هل سبقكم إلى مفهومكم من هذه العبارة أحد يا سبحان الله ما تخشون الله (ولكن) انظر إلى لفظ العبارة وهو قوله يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم كيف جاء بواو العطف وقرن بين الدعاء والتوكل والسؤال فإن الدعاء في لغة العرب هو العبادة المطلقة والتوكل عمل القلب والسؤال هو الطلب الذي تسمونه الآن الدعاء وهو في هذه العبارة لم يقل أو سألهم بل جمع بين الدعاء والتوكل والسؤال والآن أنتم تكفرون بالسؤال وحده فأين أنتم ومفهومكم من هذه العبارة مع أنه رحمه الله بين هذه العبارة وأصلها في مواضع من كلامه وكذلك (ابن القيم) بين أصلها قال الشيخ من الصابئة المشركين ممن يظهر الإسلام ويعظم الكواكب ويزعم أنه يخاطبها بحوائجه ويسجد لها وينحر ويدعو وقد صنف بعض المنتسبين إلى الإسلام في مذهب المشركين من الصابئة والمشركين البراهمة كتابا في عبادة الكواكب وهي من السحر الذي عليه الكنعانيون الذي ملوكهم النماردة الذي بعث الله الخليل صلوات الله وسلامه عليه بالحنيفية ملة إبراهيم وإخلاص الدين لله إلى هؤلاء وقال ابن القيم في مثل هؤلاء يقرون للعالم صانعا فاضلا حكيما مقدسا عن العيوب والنقائص ولكن لا سبيل لنا إلى الوجهة إلى جلاله إلا بالوسائط فالواجب علينا أن نتقرب إليه بتوسطات الروحانيات القريبة منه فنحن نتقرب إليهم ونتقرب بهم إليه فهم أربابنا وآلهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب وإله الآلهة فما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فحينئذ نسأل حاجاتنا منهم ونعرض أحوالنا عليهم ونصبوا في جميع أمورنا إليهم فيشفعون إلى إلهنا وإلههم وذلك لا يحصل إلا من جهة الاستمداد بالروحانيات وذلك بالتضرع والابتهال
Shafi 9
من الصلوات والزكاة والذبائح القرابين والبخورات وهؤلاء كفروا بالأصلين اللذين جاءت بهما جميع الرسل أحدهما عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دونه من إله (والثاني) الإيمان برسله وبما جاؤوا به من عند الله تصديقا وإقرارا وانقيادا (انتهى) كلام بن القيم فانظر إلى الوسائط المذكورة في العبارة كيف تحملونها على غير محملها ولكن ليس هذا بأعجب من حملكم كلام الله وكلام رسوله وكلام أئمة الإسلام على غير المحمل الصحيح مع خرقكم الإجماع وأعجب من هذا إنكم تستدلون بهذه العبارة على خلاف كلام من ذكرها ومن نقلها ترون بها صريح كلامهم في عين المسألة وهل عملكم هذا إلا اتباع المتشابه وترك المحكم أنقذنا الله وإياكم من متابعة الأهواء (وأما) التبرك والتمسح بالقبور وأخذ التراب منها والطواف بها فقد ذكره أهل العلم فبعضهم عده في المكروهات وبعضهم عده في المحرمات ولم ينطق واحد منهم بأن فاعل ذلك مرتد كما قلتم أنتم بل تكفرون من لم يكفر فاعل ذلك فالمسألة مذكورة في كتاب الجنائز في فصل الدفن وزيارة الميت فإن أردت الوقوف على ما ذكرت لك فطالع الفروع والإقناع وغيرهما من كتب الفقه (فإن) قدحتم فيمن صنف هذه الكتب فليس ذلك منكم بكثير ولكن ليكن معلوما عندكم أن هؤلاء لم يحكوا مذهب أنفسهم وإنما حكوا مذهب أحمد بن حنبل وأحزابه من أئمة أهل الهدى الذين أجمعت الأمة على هدايتهم ودرايتهم فإن أبيتم إلا العناد وادعوتم المراتب العلية والأخذ من الأدلة من غير تقليد أئمة الهدى فقد تقدم أن هذا خرق للاجماع (فصل) وعلى تقدير هذه الأمور التي تزعمون أنها كفر أعني النذر وما معه (فهنا) أصل آخر من أصول أهل السنة مجمعون عليه كما ذكره الشيخ تقي الدين وبن القيم عنهم وهو أن الجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا أنه يعذر بالجهل والخطأ حتى تتبين له الحجة الذي يكفر تاركها بيانا واضحا ما يلتبس على مثله أو ينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام مما أجمعوا عليه إجماعا جليا قطعيا يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل كما يأتي في بيانه إن شاء الله تعالى ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع (فإن قلت) قال الله عز وجل إلا من كفر بالله بعد إيمانه الآية نزلت في المسلمين تكلموا بالكفر مكرهين عليه (قلت) هذا حق وهي حجة
Shafi 10
عليكم لا لكم فإن الذين تكلموا به هو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتبري من دينه وهذا كفر إجماعا يعرفه كل مسلم ومع هذا إن الله عز وجل عذر من تكلم بهذا الكفر مكرها ولم يؤاخذه ولكن الله سبحانه وتعالى كفر من شرح بهذا الكفر صدرا وهو من عرفه ورضيه واختاره على الإيمان غير جاهل به وهذا الكفر في الآية مما أجمع عليه المسلمون ونقلوه في كتبهم وكل من عد المكفرات ذكره وأما هذه الأمور التي تكفرون بها المسلمين فلم يسبقكم إلى التكفير بها أحد من أهل العلم ولا عدوها في المكفرات بل ذكرها من ذكرها منهم في أنواع الشرك وبعضهم ذكرها في المحرمات ولم يقل أحد منهم إن من فعله فهو كافر مرتد ولا احتج عليه بهذه الآية كما احتججتم ولكن ليس هذا بأعجب من استدلالكم بآيات نزلت في الذين إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون والذين يقال لهم أئنكم لتشهدون إن مع الله آلهة أخرى والذين يقولون اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء والذين يقولون اجعل الآلهة إلها واحدا ومع هذا تستدلون بهذه الآيات وتنزلونها على الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقولون ما لله من شريك ويقولون ما أحد يستحق أن يعبد مع الله فالذي يستدل بهذه الآيات على من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون على إسلامه ما هو بعجيب لو استدل بالآية على مذهبه فإن كنتم صادقين فاذكروا لنا من استدل بهذه الآية على كفر من كفرتموه بخصوص الأفعال والأقوال التي تقولون إنها كفر ولكن والله ما لكم مثل إلا عبد الملك بن مروان لما قال لابنه ادع الناس إلى طاعتك فمن قال عنك برأسه فقل بالسيف على رأسه هكذا يعني اقطعه فإنا لله وإنا إليه راجعون (فصل) وها هنا أصل آخر وهو أن المسلم قد تجتمع فيه المادتان الكفر والإسلام والكفر والنفاق والشرك والإيمان وأنها تجتمع فيه المادتان ولا يكفر كفرا ينقل عن الملة كما هو مذهب أهل السنة والجماعة كما يأتي تفصيله وبيانه إن شاء الله ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع (فصل) اعلم أن أول فرقة فارقت الجماعة الخوارج الذين خرجوا في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بقتلهم وقتالهم وقال يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم وقال فيهم أنهم كلاب أهل النار وقال
Shafi 11
أنهم يقتلون أهل الإسلام وقال شر قتلى تحت أديم السماء وقال يقرؤون القرآن يحسبونه لهم وهو عليهم إلى غير ذلك مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وهؤلاء خرجوا في زمن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكفروا عليا وعثمان ومعاوية ومن معهم واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم وجعلوا بلاد المسلمين بلاد حرب وبلادهم هي بلاد الإيمان ويزعمون أنهم أهل القرآن ولا يقبلون من السنة إلا ما وافق مذهبهم ومن خالفهم وخرج عن ديارهم فهو كافر ويزعمون أن عليا والصحابة رضي الله عنهم أشركوا بالله ولم يعلموا بما في القرآن بل هم على زعمهم الذين عملوا به ويستدلون لمذهبهم بمتشابه القرآن وينزلون الآيات التي نزلت في المشركين المكذبين في أهل الإسلام هذا وأكابر الصحابة عندهم ويدعونهم إلى الحق وإلى المناظرة وناظرهم بن عباس رضي الله عنهما ورجع منهم إلى الحق أربعة آلاف ومع هذه الأمور الهائلة والكفر الصريح الواضح وخروجهم عن المسلمين قال لهم علي رضي الله عنه لا نبدؤكم بقتال ولا نمنعكم عن مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ولا نمنعكم من الفيئ ما دامت أيديكم معنا (ثم إن الخوارج) اعتزلوا وبدؤوا المسلمين الإمام ومن معه بالقتال فسار عليهم علي رضي الله عنه وجرى على المسلمين منهم أمور هائلة يطول وصفها ومع هذا كله لم يكفروهم الصحابة ولا التابعون ولا أيمة الإسلام ولا قال لهم على ولا غيره من الصحابة قامت عليكم الحجة وبينا لكم الحق قال الشيخ تقي الدين لم يكفرهم على ولا أحد من الصحابة ولا أحد من أيمة أهل الإسلام (انتهى) فانظر رحمك الله إلى طريقة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإحجام عن تكفير من يدعي الإسلام هذا وهم الصحابة رضي الله عنهم الذين يرون الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم (قال) الإمام أحمد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه (قال) أهل العلم كلها خرجها مسلم في صحيحه فانظر إلى هدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة المسلمين لعل الله يهديك إلى اتباع سبيل المؤمنين وينبهك من هذه البلية التي تزعمون الآن أنها السنة وهي والله طريقة القوم لا طريقة على ومن معه رزقنا الله اتباع آثارهم (فإن قلت) على نفسه قتل الغالية بل حرقهم
Shafi 12
بالنار وهم مجتهدون والصحابة قاتلوا أهل الردة (قلت) هذا كله حق فأما الغالية فهم مشركون زنادقة أظهروا الإسلام تلبيسا حتى أظهروا الكفر ظهورا جليا لا لبس فيه على أحد (وذلك) أن عليا رضي الله عنه لما خرج عليهم من باب كندة سجدوا له فقال لهم ما هذا قالوا له أنت الله فقال لهم أنا عبد من عباد الله قالوا بل أنت هو الله فاستتابهم وعرضهم على السيف وأبوان يتوبوا فأمر بخد الأخاديد في الأرض وأضرم فيها النار وعرضهم عليها وقال لهم إن لم تتوبوا قذفتكم فيها فأبوا أن يتوبوا بل يقولون له أنت الله فقذفهم بالنار فلما أحسوا بالنار تحرقهم قالوا الآن تحققنا إنك أنت الله لأن ما يعذب بالنار إلا الله فهذه قصة الزنادقة الذين حرقهم علي رضي الله عنه ذكرها العلماء في كتبهم فإن رأيتم من يقول لمخلوق هذا هو الله فحرقوه وإلا فاتقوا الله ولا تلبسوا الحق بالباطل وتقيسوا الكافرين على المسلمين بآرائكم الفاسدة ومفاهيمكم الواهية (فصل) وأما قتال الصديق والصحابة رضي الله عنهم أهل الردة فاعلم أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق على الإسلام إلا أهل المدينة وأهل مكة والطائف وجوثا قرية من قرى البحرين وأخبار الردة طويلة تحتمل مجلدا ولكن نذكر بعضا من ذلك من كلام أهل العلم ليتبين لكم ما أنتم عليه وأن استدلالكم بقصة أهل الردة كاستدلالكم الأول (قال) الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله مما يجب أن يعلم أن أهل الردة كانوا أصنافا صنف ارتدوا عن الإسلام ونبذوا الملة وعادوا إلى الكفر الذي كانوا عليه من عبادة الأوثان وصنف ارتدوا عن الإسلام وتابعوا مسيلمة وهم بنو حنيفة وقبائل غيرهم صدقوا مسيلمة ووافقوه على دعواه النبوة وصنف ارتدوا ووافقوا الأسود العنسي وما ادعاه من النبوة باليمن وصنف صدقوا طليحة الأسدي وما ادعاه من النبوة وهم غطفان وفزارة ومن والاهم وصنف صدقوا سجاح فهؤلاء كلهم مرتدون منكرون لنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم تاركون للزكاة والصلاة وسائر شرائع الإسلام ولم يبق من يسجد لله في بسيط الأرض إلا مسجد المدينة ومكة وجواثا قرية في البحرين وصنف آخر وهم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي وإنما لم يدعوا بهذا الاسم في ذلك الزمان خصوصا لدخولهم في غمار أهل الردة فأضيف الاسم إلى الردة إذ كانت أعظم الأمرين وأهمهما وأرخ قتال أهل البغي من زمن
Shafi 13
علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ كانوا منفردين في زمانه لم يختلطوا بأهل الشرك وفي أمر هؤلاء عرضوا الخلاف ووقعت الشبهة لعمر رضي الله تعالى عنه حين راجع أبا بكر وناظره واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم ماله ونفسه إلى أن قال رحمه الله وقد بينا أن أهل الردة كانوا أصنافا منهم من ارتد عن الملة ودعى إلى نبوة مسيلمة وغيره ومنهم من أنكر الشرائع كلها وهؤلاء هم الذين سماهم الصحابة رضي الله عنهم كفارا وكذلك رأى أبو بكر سبي ذراريهم وساعده على ذلك أكثر الصحابة ثم لم ينقض عصر الصحابة حتى أجمعوا أن المرتد لا يسبى فأما مانع الزكاة منهم المقيمون على أصل الدين فإنهم أهل بغي ولم يسموا أهل شرك أو فهم كفار وإن كانت الردة أضيفت إليهم لمشاركتهم للمرتدين في بعض ما منعوه من حق الدين وذلك أن الردة اسم لغوي وكل من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه فقد ارتد عنه وقد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة ومنع الحق وانقطع عنهم اسم الثنا والمدح وعلق عليهم الاسم القبيح لمشاركتهم القوم الذين كانوا ارتدوا حقا إلى أن قال فإن قيل وهل إذا أنكر طائفة في زماننا فرض الزكاة وامتنعوا من أدائها يكون حكمهم حكم أهل البغي (قلنا لا) فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرا بإجماع المسلمين على وجوب الزكاة فقد عرفها الخاص والعام واشترك فيها العالم والجاهل فلا يعذر منكره وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما اجتمعت عليه الأمة من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا كالصلاة الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الربا والخمر ونكاح المحارم ونحوها من الأحكام إلا أن يكون رجلا حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده فإنه إن أنكر شيئا منها جاهلا به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء الاسم عليه (فأما) ما كان الإجماع معلوما فيه من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها وأن القاتل عمدا لا يرث وأن للجد السدس وما أشبه ذلك من الأحكام فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة (انتهى) كلام الخطابي وقال صاحب المفهم قال أبو إسحاق لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا أهل ثلاثة مساجد مسجد المدينة ومسجد مكة ومسجد جواثا (انتهى)
Shafi 14
فهذا شئ مما ذكره بعض أهل العلم في أخبار الردة وتفاصيلها يطول ولكن قد تقدم أن مثلكم أو من هو أجل منكم لا يجوز له الاستنباط ولا القياس ولا يجوز لأحد أن يقلده بل يجب على من لم يبلغ رتبة المجتهدين أن يقلدهم وذلك الإجماع ولكن ليكن عندكم معلوما أن من خرج عن طاعة أبي بكر الصديق في زمانه فقد خرج عن الإجماع القطعي لأنه ومن معه هم أهل العلم وأهل الإسلام وهم المهاجرون والأنصار الذين أثنى الله عليهم في كتابه وإمامة أبي بكر إمامة حق جميع شروط الأمة مجتمعة فيه فإن كان اليوم فيكم مثل أبي بكر والمهاجرين والأنصار والأمة مجتمعة على إمامة واحد منكم فقيسوا أنفسكم بهم وإلا فبالله عليكم استحيوا من الله ومن خلقه واعرفوا قدر أنفسكم فرحم الله من عرف قدر نفسه وأنزلها منزلتها وكف شره عن المسلمين واتبع سبيل المؤمنين قال الله تعالى ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (فصل) لما تقدم الكلام على الخوارج وذكر مذهب الصحابة وأهل السنة فيهم وأنهم لم يكفروهم كفرا يخرج من الإسلام مع ما فيهم بأنهم كلاب أهل النار وأنهم يمرقون من الإسلام ومع هذا كله لم يكفرهم الصحابة لأنهم منتسبون إلى الإسلام الظاهر وإن كانوا مخلين بكثير منه لنوع تأويل وأنتم اليوم تكفرون من ليس فيه خصلة واحدة مما في أولئك بل الذين تكفرونهم اليوم وتستحلون دماءهم وأموالهم عقايدهم عقايد أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية جعلنا الله منهم (ثم خرجت) بدعة القدرية وذلك في آخر زمن الصحابة وذلك أن القدرية فرقتان فرقة أنكرت القدر رأسا وقالوا إن الله لم يقدر المعاصي على أهلها ولا هو يقدر ذلك ولا يهدي الضال ولا هو يقدر على ذلك والمسلم عندهم هو الذي جعل نفسه مسلما وهو الذي جعل نفسه مصليا وكذلك سائر الطاعات والمعاصي بل العبد هو الذي خلقها بنفسه وجعلوا العبد خالقا مع الله والله سبحانه عندهم لا يقدر يهدي أحدا ولا يقدر يضل أحدا إلى غير ذلك من أقوالهم الكفرية تعالى الله عما يقول أشباه المجوس علوا كبيرا (الفرقة) الثانية من القدرية من قابل هؤلاء وزعم أن الله جبر الخلق على ما عملوا وأن الكفر والمعاصي في الخلق كالبياض والسواد في خلق الآدمي ما للمخلوق في ذلك صنع بل جميع المعاصي عندهم تضاف لله وإمامهم في ذلك إبليس حيث قال فبما أغويتني وكذلك المشركون الذين قالوا لو شاء الله
Shafi 15
ما أشركنا ولا آباؤنا إلى غير ذلك من قبائحهم وكفرياتهم التي ذكرها عنهم أهل العلم في كتبهم كالشيخ تقي الدين وبن القيم ومع هذا الكفر العظيم والضلالة خرج أوائل هؤلاء في زمن الصحابة رضي الله عنهم كابن عمر وابن عباس واجلاء التابعين وقاموا في وجوه هؤلاء وبينوا لهم ضلالهم من الكتاب والسنة وتبرأ منهم من عندهم من الصحابة رضي الله عنهم وكذلك التابعون وصاحوا بهم من كل فج ومع هذا الكفر العظيم الهائل لم يكفرهم الصحابة ولا من بعدهم من أيمة أهل الإسلام ولا أوجبوا قتلهم ولا أجروا عليهم أحكام أهل الردة ولا قالوا قد كفرتم حيث خالفتمونا لأنا لا نتكلم إلا بالحق وقد قامت عليكم الحجة ببياننا لكم كما قلتم أنتم هذا (ومن الراد عليهم) والمبين ضلالهم الصحابة والتابعون الذين لا يقولون إلا حقا بل كبير هؤلاء من أيمة دعاتهم قتلوه الأمراء (وذكر أهل العلم) أنه قتل حدا كدفع الصائل خوفا من ضرره وبعد قتله غسل وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين كما يأتي إن شاء الله ذكره في كلام الشيخ تقي الدين (فصل) الفرقة الثالثة من أهل البدع المعتزلة الذين خرجوا في زمن التابعين وأتوا من الأقوال والأفعال الكفريات ما هو مشهور (منها) القول بخلق القرآن (ومنها) إنكار شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي (ومنها) القول بخلود أهل المعاصي في النار إلى غير ذلك من قبائحهم وفضائحهم التي نقلها أهل العلم عنهم ومع هذا فقد خرجوا في زمن التابعين ودعوا إلى مذهبهم وقام في وجوههم العلماء من التابعين ومن بعدهم وردوا عليهم وبينوا باطلهم من الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة وناظروهم أتم المناظرة ومع هذا أصروا على باطلهم ودعوا إليه وفارقوا الجماعة فبدعهم العلماء وصاحوا بهم ولكن ما كفروهم ولا أجروا عليهم أحكام أهل الردة بل أجروا عليهم هم وأهل البدع قبلهم أحكام الإسلام من التوارث والتناكح والصلاة عليهم ودفنهم في مقابر المسلمين (ولم يقولوا) لهم أهل العلم من أهل السنة قامت عليكم الحجة حيث بينا لكم لأنا لا نقول إلا حقا فحيث خالفتمونا كفرتم وحل مالكم ودمائكم وصارت بلادكم بلاد حرب كما هو الآن مذهبكم أفلا يكون لكم في هؤلاء الأئمة عبرة فترتدعون عن الباطل وتفيئون إلى الحق (فصل) ثم
Shafi 16
خرج بعد هؤلاء المرجئة الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل فمن أقر عندهم بالشهادتين فهو مؤمن كامل الإيمان وإن لم يصل لله ركعة طول عمره ولا صام يوما من رمضان ولا أدى زكاة ماله ولا عمل شيئا من أعمال الخير بل من أقر بالشهادتين فهو عندهم مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل والأنبياء إلى غير ذلك من أقوالهم القبيحة التي ابتدعوها في الإسلام ومع أنه صاح بهم أئمة أهل الإسلام وبدعوهم وضللوهم وبينوا لهم الحق من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم من أهل السنة من الصحابة فمن بعدهم وأبوا إلا التمادي على ضلالهم ومعاندتهم لأهل السنة متمسكين هم ومن قبلهم من أهل البدع بمتشابه من الكتاب والسنة ومع هذه الأمور الهائلة فيهم لم يكفروهم أهل السنة ولا سلكوا مسلككم فيمن خالفكم ولا شهدوا عليهم بالكفر ولا جعلوا بلادهم بلاد حرب بل جعلوا الأخوة الايمانية ثابتة لهم ولمن قبلهم من أهل البدع ولا قالوا لهم كفرتم بالله ورسوله لأنا بينا لكم الحق فيجب عليكم اتباعنا لأنا بمنزلة الرسول من خطأنا فهو عدو الله ورسوله كما هو قولكم اليوم فإنا لله وإنا إليه راجعون (فصل) ثم حدث بعد هؤلاء الجهمية الفرعونية الذين يقولون ليس على العرش إله يعبد ولا لله في الأرض من كلام ولا عرج بمحمد صلى الله عليه وسلم لربه وينكرون صفات لله سبحانه التي أثبتها لنفسه في كتابه وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع على القول بها الصحابة فمن بعدهم وينكرون رؤية الله سبحانه في الآخرة ومن وصف الله سبحانه بما وصف به نفسه ووصف به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو عندهم كافر إلى غير ذلك من أقوالهم وأفعالهم التي هي غاية الكفر حتى أن أهل العلم سموهم الفرعونية تشبيها لهم بفرعون حيث أنكر الله سبحانه ومع هذا فرد عليهم الأئمة وبينوا بدعتهم وضلالهم وبدعوهم وفسقوهم وجعلوهم أكفر ممن قبلهم من أهل البدع وأقل تشبثا بالشرعيات وقالوا عنهم إنهم قدموا عقولهم على الشرعيات وأمر أهل العلم بقتل بعض دعاتهم كالجعد بن درهم وجهم بن صفوان وبعد أن قتلوا غسلوهم وصلوا عليهم ودفنوهم مع المسلمين كما ذكر ذلك الشيخ تقي الدين ولم يجروا عليهم أحكام أهل الردة كما أجريتم أحكام أهل الردة على من لم يقل أو يفعل عشر معشار ما قالوا هؤلاء أو فعلوا بل والله كفرتم من قال الحق الصرف حيث خالف أهواءكم وإنما لم أذكر فرقة الرافضة لأنهم معروفون عند الخاص والعام
Shafi 17
وقبائحهم مشهورة ومن هؤلاء الفرق الذين ذكرنا تشعبت الثنتان والسبعون فرقة أهل الضلالة المذكورون في السنة في قوله عليه الصلاة والسلام تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة وما سوى الثنتين والسبعين وهي الثالثة والسبعون هم الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى آخر الدهر وهي التي لا تزال قائمة على الحق رزقنا الله اتباعهم بحوله وقوته وكلما ذكرت من أخبار هذه الفرقة فإنما أخذته من كتب أهل العلم وأكثر ما أنقل عن ابن تيمية وابن القيم (فصل) وها أنا أذكر لك شيئا مما ذكر أهل العلم من أن مذهب السلف عدم القول بتكفير هؤلاء الفرق الذين تقدم ذكرهم (قال) الشيخ تقي الدين في كتاب الإيمان لم يكفر الإمام أحمد الخوارج ولا المرجئة ولا القدرية وإنما المنقول عنه وعن أمثاله تكفير الجهمية مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية ولا كل من قال أنا جهمي كفره بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة ولم يكفرهم أحمد وأمثاله بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم ويرى لهم الإئتمام بالصلاة خلفهم والحج والغزو معهم والمنع من الخروج عليهم بما يراه لأمثالهم من الأئمة وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم وإن لم يعلموهم أنه كفر كان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان فيجمع بين طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة وإن كانوا جهالا مبتدعين وظلمة فاسقين انتهى كلام الشيخ فتأمله تأملا خاليا عن الميل والحيف وقال الشيخ تقي الدين أيضا من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به وقد غلط في بعض ما ناله من البدع ولو دعى إليها فهذا ليس بكافر أصلا والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي ولا غيره بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن ومن كان مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا في الباطن وإن كان أخطاء في التأويل كائنا من كان خطاؤه وقد يكون في بعضهم شعبة من النفاق ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار ومن قال إن الثنتين والسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا
Shafi 18
ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين والسبعين فرقة انتهى كلامه فتأمله وتأمل حكاية الإجماع من الصحابة وغيرهم من أهل السنة مع ما تقدم لك مما في مذاهبهم من الكفر العظيم لعلك تنتبه من هذه الهوة التي وقعت فيها أنت وأصحابك (وقال ابن القيم) في طرق أهل البدع الموافقون على أصل الإسلام ولكنهم مختلفون في بعض الأصول كالخوارج والمعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وغلات المرجئة (فهؤلاء أقسام) أحدها الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان (القسم الثاني) متمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذاته ومعاشه فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما أوجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته فهذا إن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته وإن غلب ما فيه من السنة والهدى على ما فيه من البدعة والهوى قبلت شهادته (الثالث) أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويترك تعصبا أو معاداة لأصحابه فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا وتكفيره محل اجتهاد (انتهى) كلامه فانظر وتأمله فقد ذكر هذا التفصيل في غالب كتبه وذكر أن الأئمة وأهل السنة لا يكفرونهم هذا مع ما وصفهم به من الشرك الأكبر والكفر الأكبر وبين في غالب كتبه مخازيهم ولنذكر من كلامه طرفا تصديقا لما ذكرنا عنه وقال رحمه الله تعالى في المدارج المثبتون للصانع نوعان (أحدهما) أهل الاشراك به في ربوبيته وإلهيته كالمجوس ومن ضاهاهم من القدرية فإنهم يثبتون مع الله إلها آخر والمجوسية القدرية تثبت مع الله خالقا للأفعال ليست أفعالهم مخلوقة لله ولا مقدورة له وهي صادرة بغير مشيئته تعالى وقدرته ولا قدرة له عليها بل هم الذين جعلوا أنفسهم فاعلين مريدين شيائين وحقيقة قول هؤلاء إن الله ليس ربا خالقا لأفعال الحيوان (انتهى) كلامه وقد ذكرهم بهذا الشرك في سائر كتبه وشبههم بالمجوس الذين يقولون إن للعالم خالقين وانظر لما تكلم على التكفير هو وشيخه كيف حكوا عدم تكفيرهم عن جميع أهل السنة حتى مع معرفة الحق والمعاندة قال كفره محل اجتهاد كما تقدم كلامه قريبا (وأيضا) الجهمية ذكرهم بأقبح
Shafi 19
الأوصاف وذكر أن شركهم شرك فرعون وأنهم معطلة وأن المشركين أقل شركا منهم وضرب لهم مثلا في النونية وغيرها من كتبهم كالصواعق وغيرها وكذلك المعتزلة كيف وصفهم بأكبر القبايح وأقسم أن قولهم وأحزابهم من أهل البدع لا تبقى من الإيمان حبة خردل فلما تكلم على تكفيرهم في النونية لم يكفرهم بل فصل في موضع منها كما فصل في الطرف كما مر وموضع آخر فيه عن أهل السنة مخاطبة لهؤلاء المبتدعة الذين أقسم أن قولهم لا يبقي من الإيمان حبة خردل يقال وأشهد علينا بأنا لا نكفركم بما معكم من الكفران إذ أنتم أهل الجهالة عندنا لستم أولي كفر ولا إيمان ويأتي إن شاء الله تعالى لهذا مزيد من كلام الشيخ تقي الدين وحكاية إجماع السلف وأن التكفير هو قول أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والرافضة وقال أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كلام له في الفرقان ودخل أهل الكلام المنتسبين إلى الإسلام من المعتزلة ونحوهم في بعض مقالة الصابئة والمشركين ممن لم يهتدي بهدى الله الذي أرسل به رسله من أهل الكلام والجدل صاروا يريدون أن يأخذوا مأخذهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لتأخذن مأخذ من كان قبلكم (الحديث الصحيح) إلى أن قال إن هؤلاء المتكلمين أكثر حقا واتبع للأدلة لما تنورت به قلوبهم من نور القرآن والإسلام وإن كانوا قد ضلوا في كثير مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فوافقوا أولئك على أن الله لا يتكلم ولا تكلم كما وافقوهم على أنه لا علم له ولا قدرة ولا صفة من الصفات إلى أن قال فلما رأو أن الرسل متفقة على أن الله متكلم والقرآن من إثبات قوله وكلامه صاروا تارة يقولون ليس بمتكلم حقيقة بل مجازا (وهذا قولهم) الأول لما كانوا في بدعتهم و كفرهم على الفطرة قبل أن يدخلوا في العناد والجحود إلى أن قال وهذا قول من يقول القرآن مخلوق إلى أن قال وأنكر هؤلاء أن يكون الله متكلما أو قائلا على الوجه الذي دلت عليه الكتب الإلهية وأفهمت الرسل لقومهم واتفق عليه أهل الفطر السليمة إلى أن قال ونشأ بين هؤلاء الذين هم فروع الصابئة وبين المسلمين المؤمنين اتباع الرسول الخلاف فكفر هؤلاء ببعض ما جاءت به الرسل واختلفوا في كتاب الله فآمنوا ببعض واتبع المؤمنون ما أنزل إليهم من ربهم وعلموا أن قول هؤلاء أخبث من قول اليهود والنصارى حتى كان عبد الله بن المبارك ليقول إنا لنحكي قول اليهود والنصارى ولا نحكي قول الجهمية وكان قد كثر هؤلاء الذين هم فروع
Shafi 20
المشركين ومن اتبعهم من الصابئة في آخر الماية الثانية في إمارة المأمون وظهرت علوم الصابئين والمنجمين ونحوهم فظهرت هذه المقالة في أهل العلم وأهل السيف والإمارة وصار في أهلها من الخلفاء والأمراء والوزراء والفقهاء والقضاة وغيرهم ما امتحنوا به المؤمنين والمؤمنات والمسلمين و المسلمات انتهى كلام الشيخ رحمه الله فانظر في هذا الكلام وتدبره كيف وصف هؤلاء بأعظم الكفر والشرك وبالإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه وأنهم فروع المشركين والصابئة وأنهم أخذوا مأخذ القرون من قبلهم أهل الكفر وأنهم خالفوا العقل والنقل والفطرة وأنهم خالفوا جميع الرسل في قولهم وأنهم عاندوا الحق وأن أهل العلم يقولون قولهم هذا أخبث من قول اليهود والنصارى وأنهم عذبوا المؤمنين والمؤمنات على الحق وهؤلاء الذين عنا بهذا الكلام هم المعتزلة والقدرية والجهمية ومن سلك سبيلهم من أهل البدع وغيرهم والخلفاء الذين يعنيهم المأمون والمعتصم والواثق ووزرائهم وقضاتهم وفقهاؤهم وهم الذين جلدوا الإمام أحمد رحمه الله وحبسوه وقتلوا أحمد بن بصير الخزاعي وغيره وعذبوا المؤمنين والمؤمنات يدعونهم إلى الأخذ بقولهم وهم الذين يعني بقوله فيما تقدم وما يأتي أن الإمام أحمد لا يكفرهم ولا أحد من السلف وأن أحمد صلى خلفهم واستغفر لهم ورأى الإئتمام بهم وعدم الخروج عليهم وأن الإمام أحمد يرد قولهم الذي هو كفر عظيم كما تقدم كلامه فراجعه (فبالله) عليك تأمل أي هذا وأي قولكم فيمن خالفكم فهو كافر ومن لم يكفر فهو كافر (بالله عليكم) انتهوا عن الخفا وقول الزور واقتدوا بالسلف الصالح وتجنبوا طريق أهل البدع ولا تكونوا كالذي زين له سوء عمله فرآه حسنا قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى ومن البدع المنكرة تكفير الطائفة وغيرها من طوائف المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وهذا عظيم لوجهين (أحدهما) إن تلك الطائفة الأخرى قد لا يكون فيها من البدعة أعظم مما في الطائفة المكفرة لها بل قد تكون بدعة الطائفة المكفرة لها أعظم من بدعة الطائفة المكفرة وقد تكون نحوها وقد تكون دونها وهذا حال عامة أهل البدع والأهواء الذين يكفرون بعضهم بعضا وهؤلاء من الذين قال الله فيهم إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ (الثاني) إنه لو فرض
Shafi 21