وولى قلبي فرارا، ولم يعد بد من مواجهة الأمر الخطير الذي طالما تحاميته إشفاقا وجبنا، وتساءلت في قلق: أترين ضرورة في إحياء ليلة الزفاف؟!
فرمقتني بنظرة استنكار كأن تساؤلي أدهشها وقالت: طبعا!
فغمغمت في ذهول: قيان وزفاف ورقص وغناء! - ينبغي أن تكون ليلة فريدة غناء!
وتملكني الخوف، ورفعت إليها عينين ملؤهما الرجاء والاستعطاف، ثم قلت بيأس: لا يمكنني أن أزف بين المدعوين! هذا فوق ما أستطيع.
فلاحت في وجهها الدهشة والانزعاج وقالت بغرابة: لست أفهم شيئا! .. هل يعجزك الحياء لهذا الحد؟
فقلت بضراعة، وبحرارة من يدافع عن نفسه حيال الموت: لا أستطيع .. لا أستطيع .. صدقيني يا سيدتي، إن الموت أهون علي من الزفاف بين المدعوين والقيان! - هذا شيء عجيب، إنك تكون أول رجل يهرب من الزفاف!
فقلت بأسى وقد شعرت بألسنة الخجل تلهب جبيني وخدي: ربما، ولكن ما باليد حيلة، إني أستحلفك بالله أن ترحميني!
فتساءلت في إنكار: وما عسى أن نفعل؟
فقلت بلهفة وقد عاودني الرجاء: نكتب العقد في جمع من الأهل فحسب، ثم أمضي بالعروس إلى بيتنا. - وكيف يكون هذا فرحا؟!
ولو كان الأمر غير ما يتصل بالخجل لسلمت دون عناء، والحق أني سريع للمطاوعة مهما كلفني الأمر من تضحية إلا إذا كنت بموقف الذائد عن حيائي؛ هناك أنقلب إلى الاستماتة والتشبث. وقد استمددت من يأسي وخوفي قوة فتوسلت وضرعت وألحفت حتى كفت السيدة عن المناقشة وهي تهز رأسها عجبا. ولم يكن بي خوف أن يظنوا بي تهربا من تكاليف الزفاف؛ لما أبديت من سخاء كخطيب كان حديث الجميع، على أن جبر بك السيد أخبرني بعد ذلك بأنه مصمم على دعوة نفر من خاصة أصدقائه، وأنه سيولم للجميع وليمة عشاء فاخرة، ثم أخبرني بعد حين بأن أحد أصدقائه من هواة الغناء والموسيقى، تطوع بإحياء الليلة في حدودها الضيقة، وقال مخففا عني وقع الخبر: وهكذا يحيي ليلتك موظف كبير!
Shafi da ba'a sani ba