وجعلت أطرافي تنتفض انفعالا وتأثرا، ونظرت إلى جدي كما تنظر الفريسة إلى معذبها، ثم سألته بصوت متهدج: أيريد أن يأخذها ذلك الرجل؟
فابتسم وقال لي: نعم، ولكن ليرعاها ويسعدها.
فسألته بحدة وأنا لا أدري: وأنا؟
فقال برقة بالغة: إن شئت ذهبت معها، أو بقيت عندي على الرحب والسعة.
فعضضت على شفتي بقسوة لأحبس دمعي، وتراجعت فجأة فأفلت من يده، وركضت خارجا متجاهلا نداءه، وعدوت إلى حجرة نومنا، فوجدت أمي جالسة محمرة العينين من البكاء، وفتحت لي ذراعيها فارتميت بينهما منتفض الأطراف من التأثر، وبادرتني قائلة: لا تصدقه؛ أعني لا تصدق أن شيئا مما قال لك سيقع، لا تبك ولا تحزن .. واعذاباه!
وحدجتها بنظرة استغراب واستنكار، وصحت بها: ألم تقولي إن هذا عار وحرام؟!
فشدت علي بحنان وهي تقاوم ابتسامة، ثم قالت: لعل جدك قال لك إنه يريد أن يزوجني، ولكنه لم يقل بلا ريب إنني وافقت على هذا الزواج، والحق أني رفضته لأول وهلة، وبلا أدنى تردد، ووددت لو لم تعلم عن الأمر شيئا على الإطلاق، ولما أعطاني مهلة للتفكير قلت ...
وقاطعتها بحدة قائلا: ولكن يريد لك أمرا معيبا محرما؟!
فصمتت قليلا وهي ترنو إلي بطرف حائر، ثم استطردت متجاهلة اعتراضي: قلت إن المهلة مضيعة للوقت، وأبيت أن أجعل هذا الأمر موضوعا للتفكير، وذلك من أجلك أنت، من أجلك وحدك، فلا تحزن ولا تغضب، ولا تظن بأمك الظنون.
ولئن أخرجني كلامها من ظلمات القنوط؛ إلا أنني أصررت على ترديد اعتراضي حتى قالت لي بعد تردد: لم أقل أبدا إن الزواج من العيوب أو المحرمات، بل هو علاقة شريفة يباركها الله، إني ذممت عيوبا أخرى.
Shafi da ba'a sani ba