62
كانت الأبواب مغلقة إلا باب حجرة الاستقبال كان مواربا، ولم يكن بالبيت أثر من الضجة التي تشمل البيوت حين الموت، فتولتني دهشة عفت على اضطراب نفسي. لقد جاوزت الساعة الحادية عشرة فكيف لم يطيروا الخبر المفجع إلى بيوت الأهل والأقارب! وعاودني شعور بالارتياب والحنق.
فنظرت إلى الخادم الصغيرة التي فتحت لي - وكانت ملتهبة العينين من البكاء - وسألتها: ألم يحضر أحد؟
فهزت رأسها سلبا في صمت وحزن، فأشرت إلى باب حجرة الاستقبال الموارب وسألتها: هل ثمة أحد هنا؟
فغمغمت قائلة: «الدكتور أمين.» فانتفض جسمي غضبا ومقتا. ثم مضت الخادم إلى باب الصالة الكبيرة فدفعته ودخلت وذهبت إلى الحجرة التي ترقد فيها رباب في أقصى البيت. لبثت وحيدا في الصالة الصغرى لا أدري ماذا أنا فاعل. تنتابني مشاعر الرهبة بما أقدمت عليه وأحاسيس الغضب والمقت التي يثيرها في نفسي الجو المحيط بي. ثم سمعت وقع أقدام آتية من الداخل، وظهرت من باب الصالة الكبيرة نازلي هانم مكللة في السواد، فألقت علي نظرة باردة وسألتني بانفعال قائلة: أين كنت يا سيدي؟
فاستثار منظرها وسؤالها خوفي وشعور الخزي الذي ركبني منذ فارقت دار النيابة، ولم أعد أطيق حبس السر الرهيب في صدري. نازعتني نفسي إلى الاعتراف، وإلى لقاء الخطر وجها لوجه، فقلت بهدوء: ذهبت إلى النيابة وطلبت إجراء التحقيق!
فاتسعت حدقتاها وفغرت فاها، وجعلت تحملق في وجهي كأنها لا تصدق ما سمعت أذناها، ثم غمغمت بذهول: النيابة!
فقلت بهدوء رهيب، وبصوت مرتفع لأسمع من في حجرة الاستقبال: أجل ذهبت إلى النيابة وسيجيء الطبيب الشرعي إلى هنا عما قليل.
وسرعان ما بدا الدكتور خارجا من الثوى، فوقف غير بعيد ممتقع اللون ساهم الطرف، وعادت المرأة الذاهلة تسأل: وأية تهمة وجهتها إلينا؟
فقلت وأنا أتملى الحقد والتشفي بوحشية: ليس ثمة تهمة، ولكن أجزم بوجود خطأ خطير نجمت عنه الوفاة؛ خطأ خليق بأن يقع فيه من ليس له خبرة بالجراحة وهو يتصدى للعبث بأرواح العباد!
Shafi da ba'a sani ba