61

فإنهما لفي يوم رائق صاف جميل الأصيل وهمام يتأمل وجهها الذي تبدل الأشعة والظلال من معانيه كل لحظة، وتبدل العواطف والخلجات من ملامحه كل فترة، إذا به يهتف فجأة بكلمات لا مقدمة لها ولا سابقة لتفسيرها. - كم لك من وجوه يا سارة؟

فانتفضت في ذراعه، وحسبت أنها مقدمة لاتهام وملاحاة، وهما يستمرآن نعيم ذلك اليوم الرائق الصافي الجميل، وقالت: ماذا تعني؟

قال: هدئي من روعك، إنما ثناء أردت لا ملامة، وأخذ يشرح لها ما يعنيه كأنه يحدثها عن امرأة غائبة أو عن شخص من شخوص الروايات، وهي تصغي إليه، ثم مستريحة، ثم مبتسمة ثم طروبا متهللة، وهو يرى فيما يرى مصداق ما يلاحظه عليها ويحدثها عنه، حتى كان ختام الحديث اقتراب الشفاه بداهة وطواعية، ثم نكتة من نكاتها التي لا تخذلها في أمثال هذه المواقف، ألقتها إليه وهي تتناءى عنه مرحة ضاحكة: احمد ربك، عندك من سارة المظلومة حريم كامل، فلا تشكر نفسك كثيرا على الوفاء.

كيف عرفها

ترتيب الحوادث أن تنتهي ثم نكر راجعين للسؤال عن بدايتها، وسبيل التواريخ أن تنطوي السير وتنصرم الدول ثم نتقصى مناشئها وأسباب ظهورها.

فنحن لا نحيد عن مجرى الزمان حين نعرف الساعة كيف تلاقت سارة وهمام، بعد أن عرفنا منذ برهة كيف كانت القطيعة وكيف كان اللقاء الأخير.

لم يقصد همام أن يلتقي بسارة ولم تقصد سارة أن تلتقي بهمام، وإنما جاء اللقاء كما تجيء معظم الحوادث الكبرى في معظم التواريخ والسير، من زواج وفراق ورحلة واختيار مساع واقتحام غيوب، مصادفة لا يسبقها عمد، وعرضا لا يمهد له بتفكير.

خرج همام يتمشى في الخلاء ضحوة من ضحوات الخريف التي تبتهج فيها الشمس في هدوء، ويرقص فيها الهواء في حنين، ويرق فيها الجو في تشوق وارتقاب، وتطرح فيها النفس أعباءها كما تطرح القافلة أحمالها عند مشارفة الواحة المبشرة بالماء الغزير والظل الظليل، ريثما تنهض بالعبء من جديد.

ماذا عسى أن يكون العبء المنظور؟

لا تقول الشمس، ولا يجيب الهواء، ولا يشف عنه الجو، ولا تحفل النفس ما يكون، حتى يكون ... إن كان!

Shafi da ba'a sani ba