لم يكن هذا الحديث بالمقصود، ولكنه لم يكن كذلك بالمكروه ولا بالمرفوض.
وأتبع الحديث موعد وزيارة.
وجاءت في الموعد وهي تبدو بتلك الطلعة التي يعهدها منها بعد كل مغاضبة وقبل كل مصالحة، طلعة السفير الذي يدخل المملكة الغريبة ولا يدري أحرب أم سلام، فهو لا يبرز القوة ولكنه يتقي أن يبرز الضعف، ولا يحمل غصن الزيتون ولكنه مستعد به في الحقيبة المغلقة، ولا يتجهم ولكنه لا يتطلق ويتبسط ... فلم تتهيأ للموعد بزينتها التي تعلم أنها تروقه وتستجلب هواه، ولكنها لم تهمل زينتها إهمال المعرض قليل الاكتراث، فهي زينة صالحة مع قليل من الاعتذار، وإذا وصل الأمر إلى هذا فأي اعتذار لا يغني غناه ولو جاء عفو الساعة؟!
وكان من دأبها أن تختلس رضاه وتحطم الحواجز بينها وبينه بسلاح من سلاحين: بالدعابة والتهكم، أو بالأسى والتضعضع، فأما في هذه المرة فسلاح الأسى والتماس الشفقة لن يلائم مظهر السفارة التي تتردد بين الحرب والسلام، فدخلت من الباب وهي تشهر سلاح التهكم والمناوشة، والتفتت وهي داخلة كمن ضل الطريق وأفضى به السير إلى غير المكان المتوقع، فقالت وهي تلقي بقبعتها: من أكبر العجب أنني وصلت إلى هنا ولم أصل إلى المعبد!
قال «همام» في سره: ويحك! هذه تحية وعظك! ثم أجابها من نمط تحيتها قائلا: معبد؟ استغفري الله يا أمة الله! وهل تستطيع قدماك أن تحملاك إلى المعبد ولو قادك إليه ألف دليل؟
قالت ولم تتريث: إنه لتقريظ حسن لبيتك أن يكون هو المكان الوحيد الذي تحملني إليه قدماي!
قال: وهل تحسبينني أغتبط بهذا التقريظ؟
قالت: معاذ الله! ولا سيما وأنت بخطابك صاحب دعوى في الهداية والإرشاد لا تقل عن دعوى أهل الصناعة ... ومع ذلك لا أظنك آسفا لهذه الغلطة.
وبدأت في نغمة الدلال بعدما أنست من لهجة الحوار أن الساعة ساعة غصن الزيتون لا ساعة السيف، ثم دنت منه تقبله فقبلها وضمها وأجلسها وجلس إلى جانبها وهو يغمغم متخاذلا: لو أنها غلطة قدمين يا «سارة»؟!
قالت: غلطة قدمين أو غلطة يدين، ألا تستطيع أن تتعلم «الربوبية» ساعة وتغفر الزلات؟
Shafi da ba'a sani ba