Kafa Akan Kafa
الساق على الساق في ما هو الفارياق
ركب كل من الفارياق والغصن بغلًا وكل من السيدة وزوجها فرسًا. وانضم إليهم ركب وساروا يقصدون دمشق. حتى إذا كانوا بعض الطريق أجفل بغل الفارياق لوهم خطر له فقمص به وشمص. فألقاه على ظهره فوقع على وركه على صخر فقام يخمع من الخامعين. فجزع عليه صاحب المعبّر إشفاقًا من تعطيل مصلحة التعبير. وشتمت به زوجته إذ كانت تحسبه رقيبا عليها وعلى غصنها. وكذا مساءة الرجل قد تكون مسرة المرأة. وهنا ينبغي أن تضيف إلى معلوماتك الواسعة هذه القضية. وهي إنه لا شيء من أنواع السفر اشق من الركوب على هذه البغال العاتية فإنها بلا سروج ولا لجم ولا ركُب. وقد جعل لها هؤلاء المكارية المقى بدل اللجم حبالًا تتصل بسلاسل من حديد جافية. يمسك الراكب بيده سلسلة فإذا شرد البغل وهنت يد الممسك بها عن كبحه. والعادة إنه متى شرد بغل سائر البغال. ثم أجفل بغل الغصن فمال عن ظهره وتعلقت رجله بحبل فتدلى رأسه يخبط على الأرض. فذهب ما عند السيدة من قليل الصبر عنه. ولم يقدر أحد على رد البغل. فكنت ترى عينها في جهة وقلبها في جهة أخرى. وكبر منها ما كبر. وصغر ما صغر. وجف ما جف. وقف ما قف. وابتل ما ابتل. وانحل ما انحل. واقشعر ما اقشعر. وازبأر ما ازبأر. وتنغّض ما تنغّض. وانتفض ما انتفض. وتنضنض ما تنضنض. وتلمظ ما تلمظ وتلظلظ ما تلظلظ. وضجم ما ضجم. وشخم ما شخم. وغدت تتململ وتتلوّى. وتتقلب وتتحوى. ودخل في رأسها أول مرة في عمرها مُنيةُ أن تكون رجلًا لتجيره. ثمهون الله الصعب ووقف البغل فاستوى عليه الغصن وساروا حتى وصلوا إلى بعلبك والفارياق على رمق فذهب وتفيَّأ في ظل شجرة فهوّم به النسيم فنام فقام منهوكا. ثم ركبوا وبلغوا دمشق وهو مريض فاكترى غرفة في خان وبقي أيامًا لا يقدر على الخروج فلما نقه توجّه إلى منزل أهل زوجته وعرّفهم بحاله ففرحوا به. ثم عاودته الحّمى ثم أفاق فرأى أن يذهب إلى الحمام ليغتسل فلمّا رجع رجعت إليه. واتفق إنه انزل يومًا إلى المرحاض فأغمى عليه فيه فوقع وقد دخل رأسه فيشق المرحاض فجعل يصرخ ويقول: ألا إن رأسي في الشق. إلا أن الشق في رأسي. فبادروا إليه فرأوه على تلك الحالة. فمنهم من ضحك منه ومنهم من رقّ له. ثم عوفي قليلًا فبدا له ولصاحبه السفر. ولكن لا بدّ لي قبل رحيله من هذه المدينة الشريفة أن أرهقه وأغسره حتى يصف لنا محاسن نسائها إذ هو لا يحسن شيئًا غيره. فأما الكلام على خوّاص نبات الأرض ومعادنها وهوائها وعدد سكانها وعلى الأمور السياسية فليس من شأنه.
1 / 194