فقال إيفانوف بلهجة الراضي عن نفسه وهو يملأ الكئوس بالشراب الأخضر. «إنك تستطيع أن تتبين في لحظة: هل المرء عارف بما يعالج أم جاهل به»
ثم رفع صوته وهو يتناول الكأس وقال: «والآن أيها السادة لنشرب على ذكر الفقيد إلخ!»
وشرعوا يأكلون وأصابوا من الفودكا كثيرا وأقلوا من الكلام وأكثروا من الشراب، وما هي إلا برهة حتى عاد جو الغرفة حارا ثقيلا.
وأشعل بيتر سيجارة فاختلط بالهواء الدخان الأزرق المتصاعد من الطباق الرديء. فدار رأس يوري من الخمر والدخان والحرارة وجرى بباله سمينوف مرة ثانية فقال: «إن في الموت شيئا مفزعا.»
فسأله بيتر: «لماذا؟ الموت؟ هو هو هو! إنه لا بد منه، الموت؟ تصور أن يحيا الإنسان أبدا؟ هو هو! لا ينبغي لك أن تتكلم على هذا النحو. الحياة الأبدية حقا ماذا عساها أن تكون؟»
فعالج يوري أن يتصور الحياة الأبدية كيف تكون، فارتسم لعينه خط أبيض ضارب إلى السواد ممتد إلى غير غاية في الفضاء كأنما تقذفه موجه وتلقفه أخرى، واستعجمت كل صورة للألوان والأصوات والعواطف وتسرب بعضها في خلال بعض وغابت في ثنايا جدول مريد ينحدر أبدا. وليس هذا في شيء من الحياة وما هو إلا الموت الدائم، فاستهول هذا الخاطر وتمتم: «نعم لا شك.»
وقال إيفانوف: «يظهر أن الأمر عظيم الوقع في نفسك.»
فسأله يوري: «ومن ذا الذي لا يعظم وقع الموت في نفسه؟»
فهز إيفانوف رأسه هزة مبهمة المعنى وشرع يحدث بيتر عن آخر ساعات سمينوف. وكان الهواء في الغرفة قد صار لا يطاق. وراقب يوري إيفانوف وهو يرشف الفودكا المتألقة في ضوء المصباح وبدا له أن كل شيء يدور ويجول. وهمس في أذنه صوت غريب ضئيل: «آ آ آ»
فقال وهو لا يدري أنه إنما يرد على هذا الصوت العجيب الهامس: «كلا! إن الموت شيء فظيع!»
Shafi da ba'a sani ba