أكثر الأنواع عددا في العوالم الذكية هو النوع الذي يضم الكوكب الذي يألفه قراء هذا الكتاب. لقد أشاد النوع البشري الأرضي بنفسه مؤخرا وأرعبها؛ إذ تخيل أنه وإن لم يكن الكائن الذكي الوحيد في الكون، فهو فريد من نوعه على الأقل، وأن العوالم التي تلائم الحياة الذكية من أي نوع نادرة للغاية حتما. لقد اتضح أن هذه الرؤية خاطئة للغاية. مقارنة بعدد النجوم الهائل الذي لا يمكن تخيله، نجد أن العوالم الذكية نادرة للغاية بالفعل، لكننا قد اكتشفنا آلاف العوالم التي تشبه الأرض بدرجة كبيرة وتسكنها كائنات من النوع البشري في جوهرها، وإن كان ظاهرها لا يتفق مع النوع الذي ندعوه بالبشر في معظم الأحوال. كان البشر الآخرون من النوع الشبيه بالبشر على نحو جلي للغاية. بالرغم من ذلك، ففي المراحل الأخيرة من مغامرتنا حين لم يعد بحثنا مقتصرا على العوالم التي وصلت إلى الأزمة الروحانية المألوفة، صادفنا بضعة من الكواكب التي تسكنها سلالات تكاد تكون متطابقة مع النوع البشري أو بالأحرى مع الهيئة التي كان عليها الإنسان في أولى مراحل وجوده. لم نصادف هذه العوالم الشديدة الشبه بعالم البشر في مرحلة سابقة؛ إذ إنها قد دمرت بسبب حادثة ما قبل أن تصل إلى المرحلة التي بلغتها عقليتنا.
بعد فترة طويلة من نجاحنا في توسيع نطاق بحثنا من أقراننا في المرتبة العقلية بين العوالم إلى من هم أدنى مرتبة منا فيها، ظللنا غير قادرين على التواصل مع أي من الكائنات التي كانت قد تجاوزت بالكامل المرحلة التي وصل إليها النوع البشري الأرضي؛ ومن ثم، فبالرغم من أننا تتبعنا تاريخ العديد من العوالم خلال العديد من الحقب، ورأينا العديد منها يصل إلى نهاية كارثية أو يسقط إلى الركود والتدهور المحتوم، فقد كان ثمة عدد قليل من العوالم التي مهما كان ما قد نفعله، كنا قد فقدنا التواصل معها في تلك اللحظة التي بدت فيها جاهزة لقفزة إلى الأمام نحو عقلية أكثر تطورا. لم يحدث، إلا في مرحلة متأخرة للغاية من مغامرتنا حين أصبح كياننا المشترك نفسه ثريا بفعل تدفق العديد من الأرواح الأسمى، أن تمكنا من التقاط خيوط تراجم العوالم الجليلة تلك مجددا. (2) أنواع غريبة من السلالات البشرية
بالرغم من أن جميع العوالم التي دخلناها في المرحلة الأولى من مغامرتنا كانت في خضم الأزمة التي يعرفها عالمنا جيدا؛ فقد سكن بعضها سلالات تشبه الإنسان بيولوجيا، بينما سكن بعضها الآخر سلالات شديدة الاختلاف عنه. كانت السلالات التي تشبه البشر على نحو أكثر وضوحا تسكن كواكب ذات حجم وطبيعة مشابهين لحجم الأرض والأرض الأخرى. غير أن جميع السلالات، أيا كانت التقلبات التي شهدها تاريخها البيولوجي، قد شكلتها الظروف في نهاية المطاف إلى البنية المنتصبة والتي يتضح أنها الأكثر ملاءمة لمثل هذه العوالم. في جميع الأحوال تقريبا، كان الطرفان السفليان يستخدمان للتنقل، والطرفان العلويان للتناول والتحكم. وعادة ما كانت توجد رأس من نوع ما تضم الدماغ وأعضاء الإدراك عن بعد، وفتحات الأكل والتنفس أحيانا. وفيما يتعلق بالحجم، فنادرا ما كانت هذه الأنواع الشبيهة بالبشر أكبر من أكبر الغوريلات التي لدينا، ونادرا ما كانت أصغر كثيرا من القرود، غير أننا لم نستطع تقدير الحجم بأي درجة من الدقة؛ إذ لم نكن نمتلك معايير معروفة للقياس.
كانت الفئة الشبيهة جدا بالبشر هذه تضم تنويعات كبيرة؛ فقد صادفنا بشرا يغطيهم الريش ويشبهون البطاريق والذين قد انحدروا من سلالات كانت تطير بالفعل، ووجدنا على بعض الكواكب الصغيرة بشرا طائرين قد احتفظوا بقدرتهم على الطيران، غير أنهم كانوا قادرين على حمل دماغ بشري ملائم. وحتى على بعض الكواكب الكبيرة التي كانت أغلفتها الجوية طافية على نحو استثنائي، كان هناك بشر يطيرون بأجنحة لهم. وقد صادفنا أيضا نوعا من البشر قد تطور من سلف شبيه بالبزاق في سلالة من اللافقاريات لكنهم كانوا من الثدييات. احتفظ هذا النوع من البشر بالصلابة والمرونة الضروريتين للأطراف من خلال عظام سلكية داخلية رقيقة «شبيهة بالسلال».
وعلى كوكب صغير للغاية لكنه شبيه بالأرض، اكتشفنا سلالة شبيهة بالبشر كانت على الأرجح فريدة من نوعها. فهنا، بالرغم من أن الحياة قد تطورت على نحو شديد الشبه بما حدث على الأرض، كانت الحيوانات العليا كلها تختلف اختلافا ملحوظا عن النوع المألوف في سمة واضحة. فلم تكن هذه السلالة تتمتع بسمة ازدواج الأعضاء واسعة النطاق والتي تتميز بها جميع أنواع الفقاريات لدينا؛ ومن ثم فقد كان الإنسان في هذا العالم أشبه بنصف إنسان أرضي. كان يقفز على ساق متينة واحدة تنحدر منها قدم رحاء واحدة، ويحافظ على اتزانه بذيل كذيل الكنغر. من صدره، تبرز ذراع واحدة وتتفرع إلى ثلاثة سواعد وأصابع للإمساك. وفوق فمه، يوجد منخار واحد، وفوقه أذن واحدة، وفوق رأسه خرطوم ثلاثي الشعب مرن يحمل ثلاث أعين.
في بعض الأحيان، كنا نجد نوعا مختلفا للغاية ومنتشرا إلى حد ما من السلالة الشبيهة بالبشر على كواكب أكبر من الأرض. ونظرا إلى زيادة قوة الجاذبية، فسوف تظهر في البداية هناك حيوانات تسير على ستة أرجل بدلا من أربعة، كما هو مألوف، وسوف تتكاثر بعد ذلك إلى حيوانات صغيرة سداسية الأرجل من حافرات الجحور، وآكلات عشب أنيقة وسريعة سداسية الأرجل، وحيوانات ماموث سداسية الأرجل ذات أنياب، والعديد من أنواع آكلات اللحوم المختلفة السداسية الأرجل. وقد كان البشر في هذه العوالم ينحدرون عادة من كائن صغير يشبه الأبوسوم، والذي كان قد استخدم الزوج الأول من أزواج أطرافه الثلاثة في بناء الأعشاش أو التسلق. وبمرور الوقت، أصبح الجزء الأمامي من جسمه منتصبا، وبصورة تدريجية، اتخذ هيئة تشبه هيئة كائن رباعي الأرجل مع جذع بشري في مكان الرقبة. في واقع الأمر، لقد أصبح قنطورا له أربعة أرجل وذراعان قويان. كان من الغريب جدا أن يجد المرء نفسه في عالم قد صممت فيه جميع المرافق ووسائل الراحة التي أنتجتها الحضارة لتلائم بشرا على هذه الهيئة.
في أحد هذه العوالم، والذي كان أصغر من الباقين بعض الشيء، لم يكن البشر على هيئة قنطور، وإن كان القنطور أحد أسلافهم البعيدين. في مراحل التطور السابقة على البشر، صغر الضغط البيئي الجزء الأفقي من جسم القنطور حتى أصبحت الساقان الأماميتان والخلفيتان أقرب فأقرب، وصارا في النهاية زوجا متينا واحدا من السيقان؛ ومن ثم فقد أصبح البشر وأسلافهم القريبون ذوي قدمين، وأرداف كبيرة تذكر بالأرداف المستعارة التي كانت تستخدم في العصر الفيكتوري، وسيقان ما تزال هيئتها الداخلية تعكس أصلهم «القنطوري».
ثمة نوع شديد الانتشار من العوالم الشبيهة بعوالم البشر يجب أن أصفه بقدر أكبر من التفصيل؛ إذ إنه يؤدي دورا مهما في تاريخ مجرتنا. البشر، في هذه العوالم، بالرغم من أنهم كانوا يختلفون بدرجة كبيرة في الهيئة والحظ في عوالم محددة، قد تطوروا جميعا من حيوان بحري له خمسة أطراف وهو أشبه بنجم البحر. وبمرور الوقت، كان هذا الكائن سيخصص طرفا منها للإدراك، والأربعة الباقية للتنقل. وبعد ذلك، ستتكون له رئتان وجهاز هضمي معقد وجهاز عصبي متكامل. وبعد فترة أطول، سينتج طرف الإدراك دماغا، بعد أن تصبح الأطراف الأخرى متكيفة على الجري والتسلق. أما الأشواك اللينة التي كانت تغطي جسد سلفه نجم البحر، فقد كانت تتطور في معظم الحالات إلى نوع من الفراء الشائك. وحين يحل الموسم المناسب، ينشأ كائن منتصب ذكي ذو قدمين وأعضاء للرؤية والشم والسمع والتذوق، وأعضاء للإدراك الحسي الكهربي في بعض الحالات. وبخلاف غرابة وجوهها، وحقيقة أن الفم كان يوجد عامة على البطن، فقد كانت هذه الكائنات بشرية بدرجة كبيرة. غير أن أجسادها كانت تغطى عادة بالأشواك اللينة أو الشعر السميك التي كانت تميز هذه العوالم. ولم تعرف هذه العوالم استخدام الملابس إلا حماية من البرد في المناطق القطبية. لا شك بأن وجوهها كانت تنزع إلى الاختلاف عن الوجوه البشرية؛ فقد كان الرأس الطويل غالبا ما يحمل إكليلا يتكون من خمس عيون. وكانت الأنوف الفردية الكبيرة المستخدمة في التنفس والشم، والتحدث أيضا، تشكل حلقة أخرى تحت العيون.
كان مظهر هذه «الشوكيات البشرية» يخفي طبيعتها؛ فبالرغم من أن وجوهها لم تكن بشرية المظهر، لم يكن نمط عقولها الأساسي مختلفا عن ذلك الخاص بعقولنا. كانت حواسها كثيرة الشبه بحواسنا، خلا أنها قد طورت في بعض العوالم حساسية لونية أكثر تنوعا على نطاق أوسع كثيرا. والسلالات التي كانت تتمتع بالحاسة الكهربية قد شكلت لنا بعض الصعوبة؛ إذ كان علينا أن نتعلم نطاقا جديدا بأكمله من الصفات الحسية ونظاما شاسعا من الرمزية غير المألوفة كي نتمكن من فهم تفكيرها. كانت الأعضاء الكهربية تكشف اختلافات طفيفة للغاية في الشحنة الكهربية مقارنة بجسم الكائن نفسه. وقد كانت هذه الحاسة تستخدم في الأصل للكشف عن الأعداء المزودين بأعضاء كهربية للهجوم. بالرغم من ذلك، فقد كانت أهميتها لدى البشر اجتماعية في المقام الأول؛ فقد كانت تمد المرء بمعلومات عن الحالة العاطفية لجيرانه. وإضافة إلى ذلك، كانت تستخدم في الرصد الجوي.
ولا بد لي من أن أصف بقدر أكبر من التفصيل، مثالا على هذا النوع من العوالم الذي يصور هذه السلالة بوضوح ويقدم في الوقت ذاته بعض الخواص المميزة المثيرة لها.
Shafi da ba'a sani ba