Akwatin Da Ba Zai Dauki Mafarkai Ba
صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
Nau'ikan
في طريق العودة، يعرفان مقصدهما جيدا، على جانب الطريق؛ حيث يقف هو بسحنته الطيبة، يحث التلاميذ على سماع حكاياته، يبتسم للعشاق الصغار، متعجلا لهم بنهاية وردية كنهايات قصصه.
الجسدان النحيفان يلتصقان، ويسألهما الرجل المسن ماذا يحبان أن يشاهدا. تجيب لأعين قبل الألسنة، كالعادة: «الشاطر حسن وست الحسن.»
تطل الأميرة بجدائلها الذهبية، تراقبها وهي تتبختر في زهوها وسط خدامها. الأميرة ما زالت حزينة، والملك يطلق مناديه في المدينة يبحث عمن يفلح في إضحاك ابنته، أو تطبيبها، بحسب رغبة الراوي، وفي كل مرة تساعد العرابة الطيبة الشاطر الفقير، فيهنأ بالأميرة وبحسنها وبمملكتها.
لم يسأما من تكرار القصة رغم حفظهما لأحداثها، ورغم ازدياد خشونة صوت الراوي؛ بسبب كهولته، وسعاله المتعدد لمكوثه الطويل بالطرقات، وانحناءة ظهره، وذاكرته التي أسقطت تفاصيل عدة.
تطوق يداه كفها بلا كلام، يتمنى أميرته، فتتعثر قدماه في أوحال الحارة وضيقها، كما تتعثر أحلامه وأفكاره.
يكبر الحبيبان، ويصبح للشاطر صندوق آخر مثبت على عربة «نصف نقل»، زينها بإطارين: أحدهما لشهادته الجامعية، والآخر لصورته محتفيا باستلام مشروعه الخاص من رئيس الحي.
صندوقه، أيضا، ممتلئ بالحكايات، مثل يومياته مع شرطة البلدية، وإنكار رجالاتها أوراقه الثبوتية إلا حينما يضيف إليها ورقة بنكية من فئة العشرين؛ وفصاله مع زبائنه الذي لا ينتهي، مهما كانت العلامة التجارية لسياراتهم؛ وسطوة «فتوات» العصر الحديث، وإتاواتهم التي لا تنتهي، سواء أكان حصاده اليومي يقبل القسمة على مسئولياته وعليهم أم لا.
في نهاية يومه ينتظر أميرته. تأتيه وهي تجر قدميها، وقد تنازلت عن دور «ست الحسن»، واكتفت ب «سندريلا»، بعدما خدعتها عرابتها، ولم تعد تعويذاتها السحرية تصلح لتعديل هندامها أو تأدية مهامها اليومية عنها. تأتيه بعد انتهاء جولتها على المنازل، بعد تلطمها في صناديق متعددة؛ بدءا من أتوبيسات النقل العام، وانتهاء بصندوق خشبي قابع فوق سطح المنزل، يقال عنه بيتها.
تبتلعهما الحارة بضيقها وتلصص الجدران والعيون، وعبر سوريهما نصف المتهدمين يتابعان سراب أحلامهما، وأنفاسهما المتقطعة، وزحف الشيب إلى روحيهما. لم تعد الدنيا باتساع صندوق الحكايات، ولم يعد هو «الشاطر حسن»، ولم تعد هي «ست الحسن».
تختفي أميرته أياما، فيسأل عن السر. يعرف من أمها التي واسته أنه لم يعد في العمر سنوات لتهدر. يتابعها في حليها وفستانها المنفوش تزف لأمير آخر، ربما لم يكن هو بالنهاية سوى قضمة التفاحة السامة التي أصابت الأميرة بغيبوبة طويلة حتى أيقظها الأمير المختار.
Shafi da ba'a sani ba