Akwatin Da Ba Zai Dauki Mafarkai Ba
صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
Nau'ikan
كبرنا، وازدادت انشغالاتنا، وقلت نوبات تسللي إلى شقة جدتي. وحينما رحل جدي، وتعالى الصغار على تناول البيض، واستبدلوا به الكورن فليكس والكرواسون، لجأت جدتي لبيع بيضها في السوق القريب من شارعنا.
أصبحت رائحة جدتي تشبه رائحة طيورها، وانتقلت إليها عاداتها. كنا نتنادر نحن مراهقي العائلة لأحاديثها مع طيورها، وإطلاقها عليها الأسماء والألقاب، واحتضانها وتفتيشها بين ريشها عن الطفيليات. وقلت زيارات أبنائها لها؛ بحجة تأففهم من رائحة قاذورات طيورها. كنت أتساءل: هل قلت الزيارات لهذا السبب فعلا، أم إن قلتها جعلت جدتي تستأنس بدجاجاتها عوضا عنهم؟
زحفت الشيخوخة على جسد جدتي وعقلها، أصبحت تنقر على بابنا، تشكو محاولات سرقة دجاجاتها، واللص الذي أراد حرقة قلبها، فأشعل النيران في طيورها. تسمعها أمي غير مبالية وهي تقطف أوراق الملوخية، وتدفعنا للدخول للمذاكرة وسط ضحكاتنا المستترة.
بعد سنوات، يجتمع الإخوة ويقررون الانتقال إلى أحياء أخرى، متعللين برائحة الدجاج العالقة بجدران البيت.
تنشغل أمي بحزم أمتعتنا، وإخوتي يلتقطون صورا تذكارية لأركان منزلنا، وأتسلل إلى الطابق الخامس، فتلفحني رائحة القمح والخبز العفن منذ سنوات، ألمح على الجدران ريشات عالقة، أمنحها بضع زفرات تطلق سراحها. أجلس القرفصاء، وأجمع أطلال الأعشاش، وأحتفظ بأعواد من الخوص، أخفيها في حقيبة يدي أثناء رحيلي.
المفكر الكبير
بابتسامة خبيثة، قدمته: هو المفكر والكاتب والأكاديمي المخضرم، فلان الفلاني. ذكرت حسناته، وقائمة طويلة من كتاباته وإسهاماته، ذيلتها بدراسة مهمة تركت بصمة في أصول الفكر والعمل النقدي. وقدم ضيفي الآخر عرضا مستفيضا لهذه الدراسة، رغم صدورها منذ سنوات طويلة، ولم ينس أن يذكر أنه رغم كتابة المؤلف لها في ريعان شبابه، فإنها كانت تنبئ بحضور مهم لعقل مستنير.
انتهت الحلقة، وصافحني المفكر بشدة وهو يعدل عدسات نظاراته التي أصبحت الآن أكثر سمكا، وخلع عنه سماعات الاستديو، وأعاد سماعاته الخاصة إلى موضعها.
أعطيته مظروف مكافأة الاستضافة وأنا أهمس في أذنه أن يشحذ ذاكرته ويراجع سنوات فكره الأولى ليتذكر وجهي، حينما كنت طالبا لديه. نعم، كان وجهي أكثر نحافة بفعل الفقر وامتصاص تلك الليالي الطويلة التي سهرت فيها على ضوء غرفتي اليتيم الأصفر، وأنا أكتب له دراساته مقابل عشرين جنيها.
استمع إلي بثغر مفتوح، فأخبرته بسخرية، وأنا أنظر إلى مظروفه الراقد على راحته، أنني لن أنسى تلك الفرحة حينما كافأني بمائة جنيه إضافية عن دراسته الضخمة التي خطت به أولى خطوات المجد. ترك الاستديو متعرقا، وعدت أنا لكرسي المضيف منفوخ الصدر.
Shafi da ba'a sani ba