تريد ما كان من غدر المأمون بعمها الفضل ، فقال المأمون : قد كنت عن هذا غنيا لولا شقائي.
وعلى ذلك مما يذكر من عظيم حلم المأمون ، أن الحسن بن سهل شرب معه يوما فقال له المأمون : يا أبا محمد لعلكم تتوهمون أني قتلت الفضل بن سهل! والله ما قتلته ، فقال الحسن : بلى والله لقد قتلته ، فقال : والله ما قتلته ، فقال : بلى والله لقد قتلته ، (فقالها ثلاثا والحسن يرد عليه) (1) فقام المأمون من مجلسه فقال : أف لك ، وانصرف الحسن إلى منزله ، فاتصل الخبر بمعلى بن أيوب ، وغسان بن عباد فصارا إلى الحسن وعذلاه على ما كان منه وقالا : اركب فاعتذر إليه ، قال : والله لا ركبت إليه أو يبعث إلي ، فصارا إلى المأمون فقال له غسان : يا أمير المؤمنين نحن عبيدك ، وصنائعك ، بك عرفنا وبخدمتك شرفنا ، كنا أذلاء فرفعتنا ، وكنا عامة فخصصتنا ، وكنا فقراء فأغنيتنا ، فاغفر خطيئة مسيئنا بمحسننا ، فقال : ويلك ما أصنع به؟ حلفت له بالله ثلاثا فكذبني ثلاثا ، فقال المعلى : يا أمير المؤمنين آنسته فأنس ، وساقيته فانتشى ، فاغفر له هفوة نشوته فقال المأمون : يا غلام صر إلى أبي محمد فقل له : إما أن تجيئنا ، أو نجيئك. وللمأمون نوادر في الحلم والعفو ، ومن كلامه : حبب إلي العفو حتى خشيت أن لا أثاب عليه.
وهذا وإن كان خارجا عن وضع الكتاب وغرضه لكن لا بد لكل واضع كتاب ، ومؤلف معنى من اعتنان (2) شيء ليس من جنس ما قصد له ولا مما أراد ، بل يراه يحسن ذكره فيذكره ثم يعود ، فلنعد إلى ما نحن بصدده.
وفي سنة ست وخمسين قلد مولانا السلطان خلد الله ملكه الوالد منصب عين الملك فأحله من علوه في فلك ، ومن تياره في فلك ، فجنح الوالد إلى الإقامة بتلك الديار واستيطانها ، والانتظام في سلك سكانها وقطانها ، فمكث ثلاث عشرة سنة متبوئا من العيش أرغده وأحسنه ، ثم رأى أن العود إلى
Shafi 32