قضى الله بانقضاء مدة هذا السفر المطول ، فسرنا وقد استقبلتنا المواكب ما بين راجل وراكب حتى وافينا قلعة (كلكنده) نصر الله صاحبها وجنده ، وهي دار الملك الخطير ، ومقر المنبر والسرير ، وغاية الجهة التي قصدناها ، ونهايتها التي أردناها فوردناها ، فكانت محط رحالنا وإليها مطارح آمالنا.
واجتمعنا بالوالد في ذلك اليوم اجتماعا لم يخطر ببال في يقظة ولا نوم ، فأقر الله به العين ، وأراح من مشاق السفر ومتاعب البين ، وبها ألقينا عصا الترحال ، والحمد لله على كل حال.
ومن الغريب أن بعض الفضلاء الذين بحضرة الوالد أرخ اجتماعنا هذا بقوله (تم سرور اللقاء) فكان والله كذلك فأنا لم نر بعد ذلك اليوم يوم سرور خاليا من بواعث الهموم والشرور ، بل لم تنتج الأعمال إلا خلاف مطمح الآمال ، وآلت الحال إلى قول من قال :
يا ضيعة الأمل الذي وجهته
طمعا إلى الأقوام بل يا ضيعتي
هذا وإنما أعجلنا هذا الكلام في هذا المقام ليستدل على الآخر بالأول ، ويستغنى بالمختصر عن المطول ، فاللبيب تكفيه الإشارة ، والغبي لا يفهم بصريح العبارة ، على أني أقول بعد هذا المنقول :
وثم أمور ليس يمكن كشفها
شكايتها عزت فواجبها الكتم
وقد أسلفت في الديباجة ما قضيت به الحاجة ، فحبس العنان عن هذا المدى ، أولى عند أولي الهدى. فطوبى لمن عقل لسانه وكفه ، وأطلق بالخير بنانه وكفه ، فمن فرط في التحفظ أسف على ما فرط منه من التلفظ. عصمنا الله بالمراقبة لصون اللسان عما يدني من الإساءة وينئي عن الإحسان ، فإنه
Shafi 175