والسلطان قد يجتهد أحيانا في إصابة الحق فيخطىء في الأخذ ببعض الأدلة فلذلك يجب أن نلتمس له العذر ولو أمام العامة ، ولا نلجأ إلى تشويه سمعته والطعن في نيته ونزع ثقة الناس به ، ليس لأجله هو فحسب ، بل لأجل مصلحة الأمة والدعوة ، وبقاء هيبة السلطان في قلوب الناس ، ولا ننسى أن المقصود حماية منصب السلطان وليس السلطان نفسه ، فالظالم لابد أن يموت ، وقد يجيء بعده رجل صالح مثلا فيكون لمنصبه هيبة تمكنه من قطع الفتن وإقامة الحدود وتأمين السبل ، والله من وراء القصد .
- - - - -
وفاته
وأما وفاته رحمه الله فكانت حادثة من حوادث الدهر ، وكانت جنازته عبرة للموافق والمخالف ، يوم من أيام السنة ، خرج مئات الألوف لتشييعه إلى قبره وصدق الله وعده لما قال : قل لأهل البدع : بيننا وبينكم يوم الجنائز ، فقد مات ابن أبي دواد فدفن في هزيع الليل ولم يشهده إلا اثنان أو ثلاثة ، وأصابته خطيئة السنة وما جنى على أهلها نسأل الله العافية .
ومن عبر وفاته رحمه الله تعالى :
1 . أن ذلك اليوم الذي مشت فيه تلك الأعداد الغفيرة في جنازته كان مصداق ما ذكرته آنفا من أن قلوب الناس مع السنة لو صبر لها أهلها ، فخروج تلك الأعداد تعبير صادق عن عمق السنة في نفوس المسلمين وأنها هي الأصل ، وما البدعة إلا رين يابس يحيط بقلب صاحبها يمنعه من الانتفاع بالهدى القرآني والنبوي ، فما أن تتكسر تلك القشرة حتى ينتعش القلب من جديد ويحيى بذكر الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما على أهل السنة إلا الصبر ونشر السنة وليثقوا في أن دعوتهم ثابتة وأن الأرض تقبل منهم ما لا تقبل من غيرهم .
2 . وفي وفاته معنى عجيب ، فإن العالم الرباني الذي يحيا لله ويحرص أن تكون حركاته وسكناته وأفعاله واقواله في سبيل نيل مرضاة الله تعالى ، يبارك له في كل شيء ، حتى في وفاته ينفع الله به .
Shafi 35