Salah Din Ayyubi
صلاح الدين الأيوبي وعصره
Nau'ikan
مقدمة المؤلف
قد رأت لجنة التأليف والترجمة والنشر أن تبدأ بسلسلة من المؤلفات في مختلف الموضوعات، وأسعدني الحظ أن اشتركت في تلك السلسلة بوضع كتاب في تاريخ «صلاح الدين الأيوبي وعصره».
وقد حاولت أن يكون قولي في ذلك الرجل العظيم جامعا ما كان له من الأعمال وما امتاز به من الصفات، مراعيا أن أجمع إلى دقة التاريخ بساطة الأسلوب، وألا أغلو في التفصيل غلوا يذهب بملامح الصورة التي قصدت إلى رسمها من صلاح الدين وعصره، ولم أقتصر في النظر على وجهة واحدة بل جمعت بين وجهتي نظر مؤرخي المسلمين ومؤرخي الفرنج؛ حتى لا يكون هناك ميل في الحكم إلا بمقدار ما تستوجبه عقيدتي التاريخية الخاصة؛ فلست أعتقد أن واجب المؤرخ السرد والحكاية، وإنما عليه واجب آخر هو المناقشة وإظهار ما يعن له من رأي.
وكان اختياري للكتابة عن حياة صلاح الدين؛ لأنه مؤسس دولة مصرية عظيمة يمكننا أن نعدها أولى الدول المصرية العظمى التي لا شبهة في مصريتها؛ فإن الدول التي سبقتها لم تكن دولا مصرية بحتة؛ وذلك أن دولة الطولونيين والإخشيديين لم تكن دولة بالمعنى الصحيح، بل كانت محاولات أولية، ولم تكن الدولة الفاطمية بمصر دولة وطنية بالمعنى التام؛ إذ جاء الفاطميون فاتحين بعد أن تأسست دولتهم في شمال أفريقيا، وحتى بعد أن أصبحت مصر مركزا لدولتهم كان المذهب الشيعي حائلا بينها وبين المصريين من أن يندمج بعضهم في بعض كل الاندماج ويكونوا حكومة وطنية صحيحة؛ فكانت دولة صلاح الدين بمصر أول الدول الوطنية العظمى التي جعلت لمصر مكانها العالي بين دول العالم في القرون الوسطى.
على أن لصلاح الدين مكانة فوق هذه؛ وذلك أنه كان البطل العظيم الذي أحرز الشرق على يديه النصر على الغرب في ذلك النضال الهائل الذي اهتز له جميع العالم، وهو النضال الديني المعروف بالحروب الصليبية، وقد كان صلاح الدين فوق كل هذا من أعظم الأفذاذ الذين ذكرهم التاريخ، وأن حياة العظماء أجدر أبواب التاريخ بالبحث؛ لما فيها من مواعظ وعبر، ولما يتخللها من مواقف جليلة.
وإنه ليسرني أكبر السرور أن اختارت اللجنة كتابي ليكون من رسائلها الأولى، وإني مدين لها في مراجعة الكتاب، وقد استفدت فائدة كبرى من ملاحظات لجنتها الفنية. وكذلك يجب علي أن أشكر إبراهيم أفندي جمعة الطالب بمدرسة المعلمين العليا؛ لقيامه برسم الخرائط التي وضعتها لإيضاح الموضوع.
ولا يفوتني أن أشكر حضرة الفاضل محمد أفندي نديم ملاحظ مطبعة دار الكتب المصرية على إظهار الكتاب بهذا النظام الجميل الذي يدل على ما حازه فن الطباعة على يديه من التقدم الباهر.
والله أسأل أن يسدد خطانا في سبيل خدمة العلم والقيام بواجبنا في هذا السبيل نحو الوطن.
محمد فريد أبو حديد
الكتاب الأول: مباحث تمهيدية لتاريخ صلاح الدين الأيوبي
Shafi da ba'a sani ba