قالت: «ألا ترين الشر في سحنته؟ إني أرى ذلك واضحا يكاد يلمس باليد. دعيني منه.»
قالت وهي ممسكة يدها تجلسها على السرير: «اقعدي يا سيدتي لأخاطبك كما تخاطب الأم ابنتها وإن كنت لا أستحق هذا الشرف.»
فقعدت وهي تنظر في عيني ياقوتة فقالت ياقوتة: «إنك يا سيدتي شابة في مقتبل العمر وقد منحك الله جمالا وتعقلا، ولا بد من أن تتزوجي بمن هو كفؤ لك وأنا لا أرى أكفأ من أبي الحسن فإنه عريق في النسب العلوي الشريف.»
فوثبت سيدة الملك من السرير وقد تغيرت سحنتها وغلب عليها الغضب وقالت: «ليس الزواج ضروريا لي. وإذا كان لا بد منه فلا يهمني أن يكون ذلك الزوج من النسب العلوي.» قالت ذلك وتنهدت تنهدا عميقا وامتقع لونها ثم احمرت وجنتاها فجأة وبان الحياء في عينيها، فحولت وجهها عن ياقوتة وغطت عينيها بكفيها. فاستغربت ياقوتة حركاتها وأدركت أن ذلك لا يبدو إلا من فتاة عالقة القلب برجل يمنعها الحياء من ذكره، فغيرت لهجتها في الحديث وضمتها إلى صدرها وقبلتها بين عينيها وقالت: «فهمت الآن شيئا لم أكن أعرفه من قبل، أنت عالقة القلب برجل آخر.»
فنفرت سيدة الملك من هذا التعبير الصريح وتراجعت وهي ما زالت مطرقة وظلت ساكتة فتبعتها ياقوتة وهي تقول: «لعلي بالغت في التصريح فوقعت عبارتي ثقيلة على سمعك. لكنني أرجو أن تصدقيني الخبر. فأنا معك كل يوم وكل ساعة لا أفارقك ولا يدخل علينا أحد من الرجال غير أخيك وبعض الأطفال من أبنائه وأبناء عمك فيبعد أن تكوني عالقة بأحد، لكني أرى دلائل الحب في عينيك.»
فازداد احمرار وجهها وزاد حياؤها وهمت بالكلام ثم توقفت. فقالت ياقوتة: «قولي. لا تخافي. هل تحبين أحدا؟» قالت: «دعيني يا خالة. دعيني من هذا البحث الآن. لا فائدة منه غير زيادة الأشجان.» قالت ذلك وأظهرت أنها تميل إلى الرقاد فأعانتها ياقوتة حتى استلقت على السرير ووضعت الغطاء عليها وجعلت تصلح ما يحيط بها من الملاءة والوسادة وهي تراقب ما يبدو منها، فإذا آنست ميلها إلى الحديث استأنفته وإلا تركتها تنام.
أما سيدة الملك فإن الحديث هاج أشجانها ومالت إلى مفاتحة حاضنتها بما يكنه ضميرها، ولكن الحياء كان غالبا عليها. وكانت تظن الحاضنة تصر من نفسها على استتمام الحديث، فلما رأتها أطاعتها وأعانتها على الرقاد ندمت وأخذت تتذرع إلى استئناف الكلام، فأظهرت ضجرها من الغطاء وتنهدت والتفتت إلى ياقوتة لفتة أثرت في أعماق قلبها فانحنت فوقها وهي جاثية بجانب السرير وقالت: «ما بالك يا سيدتي يا حبيبتي، لماذا تكتمين همك عني؟» فقالت ولسانها يتلعثم: «أخاف أن تضحكي مني أو تهزئي بي.» قالت: «معاذ الله أن أفعل ذلك! وكيف أفعله ولماذا؟» قالت: «لأني أحب رجلا لا يخطر ببالك أني أحبه، ولو علم أخي به لاستغرب عملي وحسبني مجنونة!» وسكتت وهي تتشاغل بإصلاح شعرها تحت رأسها ورفع الغطاء وإصلاحه.
فوقعت ياقوتة في حيرة ولم تفهم حقيقة مرادها أو لعلها أدركت قصدها وتجاهلت لتسمع زيادة، ثم قالت: «لم أفهم يا سيدتي مرادك. من هو الرجل الذي وقع من نفسك هذا الموقع لا بد أن يكون نادرة الزمان.»
قالت: «إنك تعرفينه جيدا. قد رأيته في هذه الدار كما رأيته. وشهدت أنت نفسك أنك لا تعرفين أشرف منه خلقا ولا أكبر همة ولا أعز نفسا، رأيته وبيده خصلة الشعر التي كان أخي قد بعث بها إلى صاحب دمشق يستغيث به باسم نساء قصره. إن أخي ارتكب بذلك ذلا لم يمحه إلا هذا، فرد علي شعري بعد أن أنقذ حياتي من الموت ونجى شرفي من الدنس.»
فصاحت ياقوتة: «أظنك تعرفين الشاب الفردي.»
Shafi da ba'a sani ba