فتأدب نجم الدين في مجلسه وأبدى الاحترام وأثنى على الخليفة ثناء كثيرا. ثم قال صلاح الدين: «إن تنازل مولانا بالخروج للقاء والدي نعمة لا أنساها له، نحن حينما كنا فإننا ندعو له بطول البقاء.»
فحك الخليفة عثنونه بسبابته وتناول قضيب الخلافة من فوق الوسادة التي إلى جانبه (وهو قصير مغشى بالذهب) وتشاغل بالنظر إليه. ثم سعل والتفت إلى نجم الدين وقال: «كيف فارقت صديقنا الأتابك نور الدين؟»
فأجاب وهو يتلطف قائلا: «فارقته في خير، وقد حملني سلاما كثيرا ومودة لمولانا العاضد - حفظه الله - وهو يدعو بطول بقائه ودوام سلامته.»
قال: «إني مسرور من صداقته وأرجو دوامها.»
قال: «إن ذلك شرف عظيم له، وقد كلفني أن أبلغ مولانا - أعزه الله - أنه هو ورجاله في خدمته لنصرة الحق.»
فوقع هذا الكلام موقعا مؤلما من نفس العاضد؛ لأنه ذكره بالسبب الذي جره إلى هذه المتاعب، فإنها تبدأ من استنصاره نور الدين. لكنه تجلد، والتفت إلى نجم الدين، ثم قال: «لقد نصرنا غير مرة، جزاه الله خيرا. وقد كفينا الآن مئونة الاستنصار بوجود ولدكم الملك الناصر.» وأشار إلى صلاح الدين.
فقال نجم الدين: «إن ولدنا من مواليكم يا سيدي ولا يدخر وسعا في خدمتكم والأخذ بناصركم .»
فمد العاضد يده إلى عنقه واستخرج عقدا من الجوهر يشبه العقد الذي في عنق صلاح الدين وقدمه إلى نجم الدين وهو يبتسم وقال: «هذه هدية منا تتذكرون بها هذه الزيارة أيها القائد الباسل. وقد استحققت عندنا أن ندعوك (الملك الأفضل) وستحمل إليك الألطاف والهدايا إلى قصر اللؤلؤة ونوليك الإقطاعات السنية، فإنك أهل لأكثر من ذلك.»
فوقف نجم الدين وتناول العقد وهو يقبل يد الخليفة. ثم قبل العقد ووضعه في عنقه وهو يقول: «لقد غمرتني يا مولاي بنعم لا أستحقها. إن اللقب الذي خلعته علي فوق قدري و...»
فقطع الخليفة كلامه قائلا: «بل أنت الملك الأفضل، كما أن نجلك الملك الناصر.» فكرر نجم الدين شكره وجلس متأدبا.
Shafi da ba'a sani ba