فقالت: «كان عند يوسف صلاح الدين وهو من رجال خاصته.»
فلما سمع عماد الدين ذلك أوشك أن يسقط على الأرض من الارتعاد، وأطرق لا يحير جوابا. وخاف أن يواصل الأسئلة ويطلع على سر قدومه إلى هناك. مرت عليه دقيقتان هما أطول من سنة. ثم رأى راشد الدين تنهد عند سماع اسم صلاح الدين ورمى الشعرة من يده وقال: «صلاح الدين يوسف؟ أطال الله بقاءه.»
فاستغرب عماد الدين قوله وانتعشت آماله، لكنه ظل ساكتا. فقال راشد الدين: «كيف فارقت صلاح الدين، هل هو في صحة وسلامة؟» قال: «نعم يا سيدي.»
قال: «الحمد لله على ذلك.» ولحظ عماد الدين تغيرا في وجه راشد الدين لم يفهم سببه. لكنه ما زال خائفا من افتضاح أمره حتى سمع راشد الدين يخاطبه قائلا: «أحمد الله على سلامة صلاح الدين، والآن هل أنت مصمم على الانضمام إلى رجالنا؟» قال: «نعم يا مولاي.»
قال: «أتعلم ماذا يطلب منك؟» قال: «لا، لكني طوع أمر مولاي فيما يريد.»
فابتسم راشد الدين ابتسامة لم تغير شيئا من انقباض سحنته وقال: «أعجبني جوابك يا عبد الجبار. وأنت إذا أتيح لك أن تكون من رجالنا كسبت الدنيا والآخرة. لكن ذلك ليس بالأمر الهين.» قال ذلك ووقف وأشار إليه أن يتبعه، فتبعه وهو يسترق النظر إلى عبد الرحيم استئناسا برأيه ولو بالإشارة. فرآه يشجعه ويطمئنه. حتى وصل راشد الدين إلى جانب من جوانب تلك القاعة الواسعة المظلمة فوقف وقال لعماد الدين: «انظر هنا.» وأومأ بإصبعه إلى حفرة بين يديه.
فنظر فإذا هو على شفا هوة لا قرار لها. فقال له: «إذا كنت صادقا فيما تقوله فألق بنفسك في هذه الهوة!»
ونظر عماد الدين إلى الحفرة فلم يشك في أنه إذا أطاعه فسيقتل لا محالة. فالتفت إلى عبد الرحيم خلسة فإذا هو يشجعه ويشير إليه بعينيه أن يخطو. وهو واثق بصدق صديقه، لكنه خاف أن يكون في الأمر دسيسة وأن راشد الدين اطلع على حقيقة مهمته فأراد الانتقام منه على هذه الصورة. على أنه تذكر ما نبهه إليه عبد الرحيم من قبل وهو لم يتعود الخوف أو التردد فسبقت قدمه إلى الوثوب نحو فوهة تلك الهوة مدفوعا بوعده وشجاعته. فإذا هو قد تلقته عارضة برزت وغطت تلك الفوهة. وفتحت فوهة أخرى في المكان الذي كان واقفا عليه. فلم يصدق أنه لا يزال حيا.
أما راشد الدين فأمسكه بيده وهو يقول: «الآن تأكدت صدقك. ولو لم تصدقني لقتلت؛ لأن فوهة الهوة تحولت إلى موقفك الأول.» وأشار إليه أن يتحول نحو القاعة وهو يقول: «استحققت النعمة التي تطلبها. إنك منذ الآن من أبنائي الصالحين.»
وعاد راشد الدين إلى مجلسه وأشار إلى واحد من الخدم الوقوف بين يديه بالإشارة أن يتبعه بقدح فأتاه به، فتناوله وصب فيه سائلا من إناء بجانبه وقال: «هذا ماء الحياة وطريق النعيم إذا كنت صادقا، وهو سم قاتل إذا كنت كاذبا. فإذا كنت على وعدك بالطاعة وصدق النية فاشربه.»
Shafi da ba'a sani ba