Sahiyuniyya ta Duniya
الصهيونية العالمية
Nau'ikan
وليس هذا بالتحول الأول عندهم في هذه الوعود على حسب المصالح السياسية؛ فقد كان الوعد لإبراهيم فحولوه إلى إسحاق ليخرجوا منه أبناء إسماعيل، ثم حولوه إلى يعقوب ليحصروه في سلالة إسرائيل، ثم حولوه إلى ذرية داود لينحصر في مملكة الجنوب دون مملكة الشمال. وهكذا كان وعد صهيون (وعدا سياسيا) تابعا لمآرب الدولة ومآرب الهيكل الذي يقام في جوارها، فلا شأن له بالعقيدة الدينية التي تشمل جميع سلالة إبراهيم.
وفي الأسر البابلي تعلم اليهود بقايا الديانة القديمة، وما احتوته من البشائر عن عودة (مروخ) إلى الأرض، وعودة رسول النور كل ألف سنة إليها لإصلاح فسادها، فتعلقت آمالهم بعودة المملكة على يد بطل من أبطال الغيب، ولم يكن هذا البطل مقصورا عندهم على ذرية داود، بل زعموا مرة أنه هو «كورش» الفارسي الذي سمي بالمسيح في الإصحاح الخامس والأربعين من سفر أشعيا. ولبثوا دهرا يتخيلون المسيح الموعود ملكا صاحب عرش وتاج، يفتتح بيت المقدس بالسيف، ويعيد فيها الدولة الدائلة. ثم يئسوا مع الزمن من تجدد المملكة بقوة السلاح فعلقوا الرجاء بالرسول المختار من عالم الروح، وقيل في وصفه كما جاء في سفر زكريا «أنه عادل ومنصور ووديع يركب على حمار ابن أتان».
ولما بعث المسيح - عليه السلام - أنكر كهان الهيكل بعثته وآمن به بعض اليهود وبعض أنباء الأمم المقيمين في فلسطين، واحتج القوم عليه بوعد إبراهيم، فقال لهم: إن أبناء إبراهيم بالروح هم الموعودون بالخلاص، فكل من آمن بدينه فهو من أبنائه، ولا فرق بين اليهودي واليوناني، لأن ربا واحدا للجميع. كما جاء في الرسالة إلى رومية.
وقد حدث في عصر السيد المسيح أن اليهود تفرقوا في أنحاء الدولة الرومانية، واتخذوا لهم وطنا في كل قطر من أقطارها الواسعة، فكتب فيلون فيلسوف الإسكندرية اليهودي يقول في تحديد موقفهم من الدولة: «إن اليهود - لكثرة عددهم - لا تحتويهم بقعة واحدة، ويتفرقون لطلب الرزق في أغنى البلاد من أوروبا وآسيا، على أنهم ينظرون إلى أورشليم مقر هيكل الله المقدس كأنها حاضرتهم الكبرى، ويحسبون وطنا لهم كل أرض عاشوا فيها وعاش فيها آباؤهم وأجدادهم من قبلهم.»
والكلمة التي عبر بها فيلون عن الحاضرة هي الكلمة اليونانية «متروبوليس
Metropolis » أي أم المدن من كلمة «متري» بمعنى أم وبوليس بمعنى مدينة، وتطلق على كل مركز مهم من مراكز المعابد أو الدواوين.
فالصهيونية في الزمن القديم لم تكن عقيدة دينية، بل كانت نزعة سياسية، ثم ذهب الأمل في نجاحها السياسي، فانقطعت العلاقة بينها وبين معناها الجغرافي، وأطلقت في بعض التعبيرات على معنى آخر بعيد كل البعد من المعاني الجغرافية، وذاك حيث يقول صاحب الرسالة إلى العبرانيين من الإنجيل «إنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار ... بل أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية ... وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات وإلى الله ديان الجميع.»
وواضح من تعبير هذه الرسالة أن الصهيونية قد تحولت إلى فكرة لا تتعلق بمكان معين، ولا تتطلب العودة إلى فلسطين، ولذلك ناهضها المتدينون من اليهود عند ظهور الدعوة إليها، واعتبروا هذه الدعوة تجديفا وإنكارا للمسيح المنتظر في عالم الروح، فتلاقت عقيدة المسيحيين المؤمنين بالمسيح - عليه السلام - وعقيدة اليهود الذين ينتظرونه في آخر الزمان، فاتفقتا على شيء واحد، وهو الفصل بين الصهيونية السياسية والفكرة الدينية.
والواقع أن الصهيونية كأختها القديمة: كلتاهما وليدة السياسة والسياسيين، أيا كان السبب الذي تستند إليه.
وجملة أسبابها - كما يذكرها المؤرخون لها - هي الاضطهاد وظهور الفكرة القومية ومطامع الاستعمار.
Shafi da ba'a sani ba