له: باب الرحمة، والباب الذي يدخل منه رسول الله، وجعل عمده الجذوع، وسقفه بالجريد. وبنى إِلى جنبه بيوت أزواجه باللِّبن، وسقفها بالجريد والجذوع، فلما فرغ من البناء؛ بني بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد، وهو مكان حجرته اليوم، وجعل لسودة بنت زمعة بيتًا آخر (١).
وهكذا شرفتْ المد ينة بهجرة النبيّ ﷺ إِليها، وسكناه ﵊ بها، فصارت كهفًا لأولياء الله وعباده الصالحين، ومعقلًا وحصنًا منيعًا للمسلمين، ودار هدًى للعالمين، قال رسول الله ﷺ: "إِنّ الإِيمان ليأرز إِلى المدينة كما تأرز الحيّة إِلى جحرها" (٢).
وقال ﷺ: "أمرتُ بقرية تأكل القُرى، يقولون: يثرب. وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد" (٣).
٢ - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (٤).
لقد آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار ليوجد التآلف بينهم، ويرفع عن المهاجرين أثر الغربة، ويحصل لهم الارتفاق مع إِخوانهم الأنصار، ومن ذلك ما كان في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار (٥)، آخى بينهم
(١) انظر: طبقات ابن سعد (١/ ٢٤٠) ولبعضه شاهد في الحديث السابق.
(٢) أخرجه البخاري في الحج، باب إن الإيمان ليأرز إِلى المدينة ح (١٨٧٦)، ومسلم في الإيمان ح (١٤٧)، عن أبي هريرة ﵁.
(٣) أخرجه البخاري في الحج، باب فضل المدينة ح (١٨٧١)، ومسلم في الحج ح (١٣٨٢) عن أبي هريرة ﵁.
(٤) سورة الحشر، آية ٩.
(٥) أخرجه البخاري في الأدب، باب الإِخاء والحلف ح (٦٠٨٣).