الصحيفة السجادية
أدعية الإمام زين العابدين
علي بن الحسين
صلوات الله وسلامه عليه
من إصدارات
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 1135، عمان 11821
المملكة الأردنية الهاشمية
www.izbacf.org
Shafi 1
تقديم السيد محمد باقر الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين .وبعد،
فإن هذه الصحيفة السجادية مجموعة من الادعية المأثورة عن الامام زين العابدين علي بن أبي طالب من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.وهو الرابع من أئمة أهل البيت، وجده الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وأول من أسلم به وكان منه بمنزلة هارون من موسى كما صح في الحديث عنه، وجدته فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وبضعته وفلذة كبده وسيدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها، وأبوه الامام الحسين أحد سيدي شباب أهل الجنة سبط الرسول وريحانته ومن قال فيه جده «حسين مني وأنا من حسين» وهو الذي استشهد فى كربلاء يوم عاشوراء دفاعا عن الاسلام والمسلمين. وهو أحد الائمة الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وآله كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما إذا قال الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش. وقد ولد الامام علي بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين للهجرة وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين وعاش حوالي سبعة وخمسين عاما قضى بضع سنين منها في كنف جده الامام علي عليه السلام ثم نشأ في مدرسة عمه الحسن وأبيه الحسين سبطي الرسول وتغذى من نمير علوم النبوة واستقى من مصادر آبائه الطاهرين. وبرز على الصعيد العلمي والديني إماما في الدين ومنارا في العلم ومرجعا في الحلال والحرام ومثلا أعلى في الورع والعبادة والتقوى وآمن المسلمون جميعا بعلمه واستقامته وأفضليته وانقاد المواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيته.
قال الزهري: «ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه» وقال في كلام آخر : «ما رأيت قرشيا أفضل منه».
وقال سعيد بن المسيب: «ما رأيت قط مثل علي بن الحسين».
وقال الامام مالك: «سمي زين العابدين لكثرة عبادته».
وقال سفيان بن عيينة: «ما رأيت هاشميا أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه».
وعد الامام الشافعي علي بن الحسين «أفقه أهل المدينة». وقد اعترف بهذه الحقيقة حتى حكام عصره من خلفاء بني أمية - على الرغم من كل شيء - فلقد قال له عبد الملك بن مروان: «ولقد أوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلا من مضى من سلفك» وقال عمر بن عبد العزيز: «سراج الدنيا وجمال الاسلام زين العابدين».
وقد كان للمسلمين عموما تعلق عاطفي شديد بهذا الامام وولاء روحي عميق له وكانت قواعده الشعبية ممتدة في كل مكان العالم الاسلامي كما يشير إلى ذلك موقف الحجيج الاعظم منه حينما حج هشام بن عبد الملك وطاف وأراد أن يستلم فلم يقدر على استلام الحجرالاسود من الزحام فنصب له منبر فجلس عليه ينتظر ثم أقبل زين العابدين وأخذ يطوف فكان إذا بلغ موضع الحجر انفرجت الجماهير وتنحى الناس حتى يستلمه لعظيم معرفتها بقدره وحبها له على اختلاف بلدانهم والنتساباتهم وقد سجل الفرزدق هذا الموقف في قصيدة رائعه مشهورة. ولم تكن ثقة الامة بالامام زين العابدين على اختلاف اتجاهاتها ومذاهبها مقصورد على الجانب الفقهي والروحي فحسب، بل كانت تؤمن به مرجعا وقائدا ومفزعا في كل مشاكل الحياة وقصاياها بوصفه امتدادا لابائه الطاهرين ومن أجل ذلك نجد أن عبد الملك، حينما اصطدم بملك الروم وهدده الملك الروماني باستغلال حاجة المسلمين إلى استيراد نقودهم من بلاد الرومان لاذلال المسلمين وفرض الشروط عليهم وقف عبد الملك متحيرا وقد ضاقت به الارض كما جاء في الرواية وقال: أحسبني أشأم مولود ولد في الاسلام، فجمع أهل الاسلام واستشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به، فقال له القوم: إنك لتعلم الرأي والمخرج من هذا الامر! فقال: ويحكم من؟ قالوا: الباقي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، قال صدقتم، وهكذا كان. فقد فزع إلى الامام زين العابدين فأرسل عليه السلام ولده محمد بن علي الباقر إلى الشام وزوده بتعليماته الخاصة فوضع خطة جديدة للنقد الاسلامي وأنقذ الموقف.
وقد قدر للامام زين العابدين أن يتسلم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيه، فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الاول في مرحلة من أدق المراحل التي مرت الامة وقتئذ، وهي المرحلة التي أعقبت موجة الفتوح الاولى فقد امتدت هذه الموجة، بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي، فزلزلت عروش الاكاسرة والقياصرة وضمت شعوبا مختلفة وبلادا واسعة إلى الدعوة الجديدة وأصبح المسلمون قادة الجزء من العالم المتمدن وقتئذ خلال نصف قرن .وعلى الرغم من أن هذه القيادة، جعلت من المسلمين قوة كبرى على الصعيد العالمي من الناحية السياسية والعسكرية، فأنها عرضتهم لخطرين كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري، وكان لا بد من البدء بعمل حاسم للوقوف في وجههما.
Shafi 2
أحدهما: الخطر الذي نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوعة وأعراف تشريعية وأوضاع اجتماعية مختلفة بحكم تفاعلهم مع الشعوب التي دخلت في دين الله أفواجا، وكان لا بد من عمل على الصعيد العلمي يؤكد في المسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيتهم التشريعية المتميزة المستمدة من الكتاب والستة وكان لابد من حركة فكرية اجتهادية تفتح آفاقهم الذهنية ضمن ذلك الاطار لكي يستطيعوا أن يحملوا مشعل الكتاب والسنة بروح المجتهد البصير والممارس الذكي الذي يسطيع أن يستنبط منها ما يفيده في كل ما يستجد له من حالات كان لابد إذن من تأصيل للشخصية الاسلامية ومن زرع بذور الاجتهاد وهذا ما قام به الامام علي بن الحسين عليه السلام فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله يحدث الناس بصنوف المعرفة الاسلامية من تفسير وحديث وفقه ويفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين ويمرن النابهين منهم على التفقه والاستنباط وقد تخرج من هذه الحلقة عدد مهم من فقهاء المسلمين وكانت هذه الحلقة هي المنطلق لما نشأبعد ذلك من مدارس الفقه والاساس لحركته الناشطة. وقد استقطب الامام عن هذا الطريق الجمهور الاعظم من القراء وحملة الكتاب والسنة حتى قال سعيد بن المسيب «إن القراء كانوا لا يخرجون إلى مكة حتى يخرج علي بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف راكب».
وأما الخطر الاخر: فقد نجم عن موجة الرخاء التي سادت المجتمع الاسلامي في أعقاب ذلك الامتداد الهائل، لان موجات الرخاء تعرض أي مجتمع إلى خطر الانسياق مع ملذات الدنيا الاسراف في زينة هذه الحياة المحدودة وانطفاء الشعور الملتهب باقيم الخلقية والصلة الروحية بالله واليوم الاخر وبما تضعه هذه الصلة أمام الانسان من أهداف كبيرة وهذا ما وقع فعلا وتكفي نظرة واحدة في كتاب الاغاني لابي الفرج الاصبهاني ليتضح الحال.
وقد أحس الامام علي بن الحسين بهذا الخطر وبدأ بعلاجه واتخذ من الدعاء أساسا لهذا العلاج. وكانت الصحيفة السجادية التي بين يديك من نتائج ذلك. فقد استطاع هذا الامام العظيم بما أوتي من بلاغة فريدة وقدرة فائقة على أساليب التعبير العربي وذهنية ربانية تتفتق عن أروع المعاني وأدقها في تصوير صلة الانسان بربه ووجده بخالقه وتعلقه بمبدئه ومعاده وتجسيد ما يعبر عنه ذلك من قيم خلقية وحقوق وواجبات.
أقول قد استطاع الامام علي بن الحسين بما أوتي من هذه المواهب أن ينشر من خلال الدعاء جوا روحيا في المجتمع الاسلامي يساهم في تثبيت الانسان المسلم عندما تعصف به المغريات وشده إلى ربه حينما تجره الارض إليها وتأكيد ما نشأ عليه من قيم روحية لكي يظل أمينا عليها في عصر الغنى والثروة كما كان أمينا عليها وهو يشد حجر المجاعة على بطنه.
وقد جاء في سيرة الامام أنه كان يخطب الناس في كل جمعة ويعظهم ويزهدهم في الدنيا ويرعبهم في أعمال الاخرة ويقرع أسماعهم بتلك القطع الفنية من ألوان الدعاء والحمد والثناء التي تمثل العبودية المخلصة لله سبحانه وحده لا شريك له.
وهكذا نعرف أن الصحيفة السجادية تعبر عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الامام إضافة إلى كونها تراثا ربانيا فرايدا يظل على مر الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب وتظل الانسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمدي العلوي وتزداد حاجة كلما ازداد الشيطان إغراء والدنيا فتنة.
فسلام على إمامنا زين العابدين يوم ولد ويوم أدى رسالته ويوم مات ويوم يبعث حيا.
النجف الاشرف
محمد باقر الصدر
Shafi 3
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
Shafi 4
حدثنا السيد الاجل نجم الدين بهآء الشرف أبو الحسن محمد بن الحسن بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني رحمه الله قال: أخبرنا الشيخ السعيد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شهريار الخازن لخزانة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في شهر ربيع الاول من سنة ست عشرة وخمسمائة قراءة عليه وأنا أسمع قال: سمعتها على الشيخ الصدوق أبي منصور محمد بن أحمد بن عبد العزيز العكبري المعدل رحمه الله عن أبي المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني قال: حدثنا الشريف أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن خطاب الزيات سنة خمس وستين ومائتين قال: حدثني خالي علي بن النعمان الاعلم قال: حدثني عمير بن متوكل الثقفي البلخي عن أبيه متوكل بن هارون قال: لقيت يحيى بن زيد بن علي عليه السلام وهو متوجه إلى خراسان فسلمت عليه فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت من الحج فسألني عن أهله وبني عمه بالمدينة وأحفى السؤال عن جعفر بن محمد عليه السلام فأخبرته بخبره وخبرهم وحزنهم على أبيه زيد بن علي عليه السلام فقال لي: قد كان عمي محمد بن علي أشار على أبي بترك الخروج، وعرفه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره، فهل لقيت ابن عمي جعفر بن محمد عليه السلام؟ قلت: نعم، قال: فهل سمعته يذكر شيئا من أمري؟ قلت: نعم قال: بم ذكرني؟ خبرني، قلت: جعلت فداك ما احب أن أستقبلك بما سمعته منه، فقال: أبالموت تخوفني؟! هات ما سمعته فقلت: سمعته يقول: إنك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب، فتغير وجهه وقال: يمحو الله ما يشآء ويثبت وعنده أم الكتاب، يا متوكل إن الله عز وجل أيد هذا الامر بنا، وجعل لنا العلم والسيف، فجمعا لنا وخص بنو عمنا بالعلم وحده، فقلت: جعلت فداك إني رأيت الناس إلى ابن عمك جعفر عليه السلام أميل منهم إليك وإلى أبيك؟ فقال: إن عمي محمد بن علي وابنه جعفر عليهما السلام دعوا الناس إلى الحياة، ونحن دعوناهم إلى الموت، فقلت يا ابن رسول الله أهم أعلم أم أنتم؟ فأطرق إلى الارض مليا ثم رفع رأسه وقال: كلنا له علم غير أنهم يعلمون كلما نعلم، ولا نعلم كلما يعلمون، ثم قال لي: أكتبت من ابن عمي شيئا؟ قلت: نعم، قال: أرنيه، فأخرجت إليه وجوها من العلم، وأخرجت له دعاء أملاه علي أبو عبد الله عليه السلام وحدثني أن أباه محمد بن علي عليهما السلام أملاه عليه وأخبره أنه من دعاء أبيه علي بن الحسين عليهما السلام من دعاء الصحيفة الكاملة، فنظر فيه يحيى حتى أتى على آخره وقال لي: أتأذن في نسخه؟ فقلت: يا ابن رسول الله أتستأذن فيما هو عنكم؟! فقال: أما لاخرجن إليك صحيفة من الدعآء الكامل مما حفظه أبي عن أبيه وإن أبي أوصاني بصونها ومنعها غير أهلها قال عمير: قال أبي: فقمت إليه فقبلت رأسه وقلت له: والله يا ابن رسول الله إني لادين الله بحبكم وطاعتكم، وإني لارجو أن يسعدني في حياتي ومماتي بولايتكم، فرمى صحيفتي التي دفعتها إليه إلى غلام كان معه وقال: اكتب هذا الدعآء بخط بين حسن واعرضه علي لعلي أحفظه; فإني كنت أطلبه من جعفر حفظه الله فيمنعنيه، قال متوكل: فندمت على ما فعلت ولم أدر ما أصنع، ولم يكن أبو عبد الله عليه السلام تقدم إلي ألا أدفعه إلى أحد، ثم دعا بعيبة، فاستخرج منها صحيفة مقفلة مختومة، فنظر إلى الخاتم وقبله وبكى، ثم فضه وفتح القفل، ثم نشر الصحيفة ووضعها على عينه وأمرها على وجهه وقال: والله يا متوكل لولا ما ذكرت من قول ابن عمي إنني أقتل واصلب لما دفعتها إليك، ولكنت بها ضنينا ولكني أعلم أن قوله حق أخذه عن آبائه وأنه سيصح فخفت أن يقع مثل هذا العلم إلى بني أمية فيكتموه ويدخروه في خزائنهم لانفسهم فأقبضها وأكفنيها وتربص بها فإذا قضى الله من أمري وأمر هؤلاء القوم ما هو قاض فهي أمانة لي عندك حتى توصلها إلى ابني عمي محمد وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليهما السلام فإنهما القائمان في هذا الامر بعدي: قال المتوكل: فقبضت الصحيفة فلما قتل يحيى بن زيد صرت إلى المدينة فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فحدثته الحديث عن يحيى فبكى واشتد وجده به وقال: رحم الله ابن عمى وألحقه بآبائه وأجداده، والله يا متوكل ما منعني من دفع الدعآء إليه إلا الذي خافه على صحيفة أبيه، وأين الصحيفة؟ فقلت ها هي، ففتحها وقال: هذا والله خط عمي زيد ودعآء جدي علي بن الحسين عليهما السلام ثم قال لابنه: قم يا إسماعيل فأتني بآلدعاء الذي أمرتك بحفظه وصونه، فقام إسماعيل فأخرج صحيفة كأنها آلصحيفة التي دفعها إلي يحيى بن زيد فقبلها أبو عبد الله ووضعها على عينه وقال: هذا خط أبي وإملاء جدي عليهما السلام بمشهد مني، فقلت: يا ابن رسول الله إن رأيت أن أعرضها مع صحيفة زيد ويحيى؟ فأذن لي في ذلك وقال قد رأيتك لذلك أهلا، فنظرت وإذا هما أمر واحد ولم أجد حرفا منها يخالف ما في الصحيفة الاخرى، ثم استأذنت أبا عبد الله عليه السلام في دفع الصحيفة إلى ابني عبد الله بن الحسن فقال: ?إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها? نعم فادفعها إليهما، فلما نهضت للقآئهما قال لي: مكانك ثم وجه إلى محمد وإبراهيم فجآء افقال: هذا ميراث عمكما يحيى من أبيه قد خصكهما به دون إخوته ونحن مشترطون عليكما فيه شرطا، فقالا: رحمك الله قل فقولك المقبول فقال لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة، قالا: ولم ذاك؟ قال: إن ابن عمكما خاف عليها أمرا أخافه أنا عليكما، قالا: إنما خاف عليها حين علم أنه يقتل، فقال أبو عبد الله عليه السلام: وأنتما فلا تأمنا فوالله إني لاعلم أنكما ستخرجان كما خرج، وستقتلان كما قتل، فقاما وهما يقولان: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فلما خرجا قال لي أبوعبدالله عليه السلام: يا متوكل كيف قال لك يحيى إن عمي محمد بن علي وابنه جعفر دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموت؟ قلت: نعم أصلحك الله قد قال لي ابن عمك يحيى ذلك. فقال: يرحم الله يحيى إن أبي حدثني عن أبيه عن جده علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذته نعسة وهو على منبره فراى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة يردون الناس على أعقابهم القهقرى فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا والحزن يعرف في وجهه فأتاه جبرئيل عليه السلام بهذه الاية: ?وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا? يعني بني امية فقال: يا جبرئيل أعلى عهدي يكونون وفي زمني؟ قال: لا ونكن تدور رحى الاسلام من مهاجرك، فتلبث بذلك عشرا ثم تدور رحى الاسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك، فتلبث بذلك خمسا ثم لا بد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها، ثم ملك الفراعنة قال: وأنزل الله تعالى في ذلك: ?إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر? تملكها بنو امية ليس فيها ليلة القدر قال: فأطلع الله عز وجل نبيه عليه السلام أن بني امية تملك سلطان هذه الامة وملكها طول هذه المدة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى، يأذن الله تعالى بزوال ملكهم وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا، أخبر الله نبيه بما يلقى أهل بيت محمد وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم قال: وأنزل الله تعالى فيهم: ?ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار ?ونعمة الله محمد وأهل بيته حبهم إيمان يدخل الجنة، وبغضهم كفر ونفاق يدخل، النار، فأسر رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك إلى علي وأهل بيته، قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلما أو ينعش حقا إلا اصطلمته البلية، وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا.قال المتوكل بن هارون: ثم أملى علي أبو عبد الله عليه السلام الادعية; وهي خمسة وسبعون بابا سقط عني منها أحد عشر بابا، وحفظت منها نيفا وستين بابا.
وحدثنا أبو المفضل قال: وحدثني محمد بن الحسن بن روزبه أبو بكر المدائني الكاتب نزيل الرحبة في داره قال: حدثني محمد بن أحمد بن مسلم المطهري قال: حدثني أبي عن عمير بن متوكل البلخي عن أبيه المتوكل بن هارون قال: لقيت يحيى بن زيد بن علي عليهما السلام فذكر الحديث بتمامه إلى رؤيا النبي صلى الله عليه وآله التي ذكرها جعفر بن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم، وفي رواية المطهري ذكر الابواب وهي:
1: التحميد لله عز وجل.
2: الصلاة على محمد وآله .
3: الصلاة على حملة العرش.
4: الصلاة على مصدقي الرسل.
5: دعاؤه لنفسه وخاصته .
6: دعاؤه عند الصباح والمساء.
7: دعاؤه في المهمات.
8: دعاؤه في الاستعاذة.
9: دعاؤه في الاشتياق.
10: دعاؤه في اللجأ إلى الله تعالى.
11: دعاؤه بخواتم الخير.
12: دعاؤه في الاعتراف.
13: دعاؤه في طلب الحوائج.
14: دعاؤه في الظلامات.
15: دعاؤه عند المرض.
16: دعاؤه في الاستقالة.
17: دعاؤه على الشيطان.
18: دعاؤه في المحذورات.
19: دعاؤه في الاستسقآء.
20: دعاؤه في مكارم الاخلاق.
21: دعاؤه إذا حزنه أمر.
22: دعاؤه عند الشدة.
23: دعاؤه بالعافية.
24: دعاؤه لابويه عليهما السلام.
25: دعاؤه لولده عليه السلام.
Shafi 6
26: دعاؤه لجيرانه وأوليائه.
27: دعاؤه لاهل الثغور.
28: دعاؤه في التفزع.
29: دعاؤه إذا قتر عليه الرزق.
30: دعاؤه في المعونة على قضاء الدين.
31: دعاؤه بالتوبة.
32: دعاؤه في صلاة الليل.
33: دعاؤه في الاستخارة.
34: دعاؤه إذا ابتلي أو رأى مبتلى بفضيحة أو بذنب.
35: دعاؤه في الرضا بالقضآء.
36: دعاؤه عند سماع الرعد.
37: دعاؤه في الشكر.
38: دعاؤه في الاعتذار.
39: دعاؤه في طلب العفو.
40: دعاؤه عند ذكر الموت.
41: دعاؤه في طلب الستر والوقاية.
42: دعاؤه عند ختمه القرآن.
43: دعاؤه إذا نظر إلى الهلال.
44: دعاؤه لدخول شهر رمضان.
45: دعاؤه لوداع شهر رمضان.
46: دعاؤه للعيد الفطر والجمعة.
47: دعاؤه في يوم عرفة.
48: دعاؤه في يوم الاضحى والجمعة.
49: دعاؤه في دفع كيد الاعداء.
50: دعاؤه في الرهبة.
51: دعاؤه في التضرع والاستكانة.
52: دعاؤه في الالحاح.
53: دعاؤه في التذلل لله عز وجل.
54: دعاؤه في استكشاف الهموم.
وباقي الابواب بلفظ أبي عبد الله الحسني رحمه الله حدثنا أبو عبدالله جعفر بن محمد الحسني قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن خطاب الزيات قال: حدثني خالي علي بن النعمان الاعلم قال: حدثنى عمير بن متوكل الثقفي البلخي عن أبيه متوكل بن هارون قال أملى على سيدي الصادق أبو عبد الله جعفر بن محمد قال أملى جدي على بن الحسين على أبي محمد بن علي عليهم أجمعين السلام بمشهد مني.
Shafi 7
الصحيفة السجادية
1: التحميد لله عز وجل
وكان من دعائه عليه السلام إذ ابتدأ بالدعاء بالتحميد لله عز وجل والثناء عليه فقال:
Shafi 8
ألحمد لله الاول بلا أول كان قبله، والاخر بلا آخر يكون بعده. الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين. ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا، واخترعهم على مشيته اختراعا، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته. لا يملكون تأخيرا عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدما إلى ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتا معلوما مقسوما من رزقه لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد. ثم ضرب له في الحياة أجلا موقوتا، ونصب له أمدا محدودا، يتخطأ إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتى إذا بلغ أقصى أثره، واستوعب حساب عمره، قبضه إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه أو محذور عقابه، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى عدلا منه تقدست أسمآؤه، وتظاهرت ألاؤه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الانسانية إلى حد البهيمية، فكانوا كما وصف في محكم كتابه: ?إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا? والحمد لله على ما عرفنا من نفسه وألهمنا من شكره وفتح لنا من أبواب العلم بربوبيته ودلنا عليه من الاخلاص له في توحيده وجنبنا من الالحاد والشك في أمره، حمدا نعمر به فيمن حمده من خلقه، ونسبق به من سبق إلى رضاه وعفوه حمدا يضيء لنا به ظلمات البرزخ ويسهل علينا به سبيل المبعث ويشرف به منازلنا عند مواقف الاشهاد يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ?يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون?، حمدا يرتفع منا إلى أعلى عليين في كتاب مرقوم يشهده المقربون، حمدا تقر به عيوننا إذا برقت الابصار وتبيض به وجوهنا إذا اسودت الابشار، حمدا نعتق به من أليم نار الله إلى كريم جوار الله، حمدا نزاحم به ملائكته المقربين ونضام به أنبيآءه المرسلين في دار المقامة التي لا تزول ومحل كرامته التي لا تحول، والحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق، وأجرى علينا طيبات الرزق وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق، فكل خليقته منقادة لنا بقدرته، وصآئرة إلى طاعتنا بعزته. والحمد لله الذي أغلق عنا باب الحاجة إلا إليه فكيف نطيق حمده أم متى نؤدي شكره؟!، لا، متى؟ والحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط، وجعل لنا أدوات القبض، ومتعنا بارواح الحياة، وأثبت فينا جوارح الاعمال، وغذانا بطيبات الرزق، وأغنانا بفضله، وأقنانا بمنه، ثم أمرنا ليختبر طاعتنا، ونهانا ليبتلي شكرنا فخالفنا عن طريق أمره وركبنا متون زجره فلم يبتدرنا بعقوبته، ولم يعاجلنا بنقمته بل تانانا برحمته تكرما ، وانتظر مراجعتنا برأفته حلما. والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها إلا من فضله، فلو لم نعتدد من فضله إلا بها لقد حسن بلاؤه عندنا، وجل إحسانه إلينا وجسم فضله علينا، فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به، ولم يكلفنا إلا وسعا، ولم يجشمنا إلا يسرا ولم يدع لاحد منا حجة ولا عذرا، فالهالك منا من هلك عليه والسعيد منا من رغب إليه. والحمد لله بكل ما حمده به أدنى ملائكته إليه وأكرم خليقته عليه، وأرضى حامديه لديه، حمدا يفضل سآئر الحمد كفضل ربنا على جميع خلقه. ثم له الحمد مكان كل نعمة له علينا وعلى جميع عباده الماضين والباقين عدد ما أحاط به علمه من جميع الاشيآء، ومكان كل واحدة منها عددها أضعافا مضاعفة أبدا سرمدا إلى يوم القيامة، حمدا لا منتهى لحده ولا حساب لعدده ولا مبلغ لغايته ولا انقطاع لامده، حمدا يكون وصلة إلى طاعته وعفوه، وسببا إلى رضوانه وذريعة إلى مغفرته وطريقا إلى جنته، وخفيرا من نقمته، وأمنا من غضبه، وظهيرا على طاعته، وحاجزا عن معصيته وعونا على تأدية حقه ووظائفه، حمدا نسعد به في السعداء من أوليآئه ونصير به في نظم الشهدآء بسيوف أعدائه إنه ولي حميد.
Shafi 9
2: الصلاة على محمد وآله
وكان من دعائه عليه السلام بعد هذا التحميد الصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله:
والحمد لله الذي من علينا بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله دون الامم الماضية والقرون السالفة بقدرته التي لا تعجز عن شيء وإن عظم، ولا يفوتها شيء وإن لطف، فختم بنا على جميع من ذرأ وجعلنا شهداء على من جحد وكثرنا بمنه على من قل. اللهم فصل على محمد أمينك على وحيك، ونجيبك من خلقك، وصفيك من عبادك، إمام الرحمة وقائد الخير ومفتاح البركة، كما نصب لامرك نفسه ، وعرض فيك للمكروه بدنه، وكاشف في الدعآء إليك حامته وحارب في رضاك أسرته وقطع فى إحياء دينك رحمه واقصى الادنين على جحودهم، وقرب الاقصين على استجابتهم لك ووالى فيك الابعدين، وعادى فيك الاقربين، وأدأب نفسه في تبليغ رسالتك وأتعبها بالدعآء إلى ملتك وشغلها بالنصح لاهل دعوتك، وهاجر إلى بلاد الغربة ومحل النأي عن موطن رحله، وموضع رجله ومسقط رأسه ومأنس نفسه إرادة منه لاعزاز دينك، واستنصارا على أهل الكفر بك، حتى استتب له ما حاول في أعدائك، واستتم له ما دبر في أوليآئك، فنهد إليهم مستفتحا بعونك ومتقويا على ضعفه بنصرك، فغزاهم في عقر ديارهم وهجم عليهم في بحبوحة قرارهم حتى ظهر أمرك، وعلت كلمتك ولو كره المشركون. اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنتك، حتى لا يساوى في منزلة ولا يكافأ في مرتبة ولا يوازيه لديك ملك مقرب ولا نبي مرسل، وعرفه في أهله الطاهرين وامته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته يا نافذ العدة يا وافى القول يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات إنك ذو الفضل العظيم الجواد الكريم.
Shafi 10
3: الصلاة على حملة العرش
وكان من دعائه عليه السلام في الصلاة على حملة العرش وكل ملك مقرب
اللهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك، ولا يسأمون من تقديسك، ولا يستحسرون من عبادتك، ولا يؤثرون التقصير على الجد في أمرك، ولا يغفلون عن الوله إليك. وإسرافيل صاحب الصور، الشاخص الذي ينتظر منك الاذن وحلول الامر، فينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور. وميكآئيل ذو الجاه عندك، والمكان الرفيع من طاعتك. وجبريل الامين على وحيك، المطاع في أهل سماواتك، المكين لديك، المقرب عندك، والروح الذي هو على ملائكة الحجب، والروح الذي هو من أمرك. أللهم فصل عليهم وعلى الملائكة الذين من دونهم من سكان سماواتك وأهل الامانة على رسالاتك، والذين لا تدخلهم سأمة من دؤوب، ولا إعياء من لغوب ولا فتور، ولا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات، ولا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات، الخشع الابصار فلا يرومون النظر إليك، النواكس الاذقان الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك المستهترون بذكر آلائك والمتواضعون دون عظمتك وجلال كبريآئك والذين يقولون إذا نظروا إلى جهنم تزفر على أهل معصيتك: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
Shafi 11
فصل عليهم وعلى الروحانيين من ملائكتك، وأهل الزلفة عندك، وحمال الغيب إلى رسلك، والمؤتمنين على وحيك وقبائل الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك، وأغنيتهم عن الطعام والشراب بتقديسك، وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك، والذين على أرجآئها إذا نزل الامر بتمام وعدك، وخزان المطر وزواجر السحاب، والذي بصوت زجره يسمع زجل ألرعود، وإذا سبحت به حفيفة السحاب التمعت صواعق البروق. ومشيعي الثلج والبرد. والهابطين مع قطر المطر إذا نزل، والقوام على خزائن الرياح، والموكلين بالجبال فلا تزول. والذين عرفتهم مثاقيل المياه، وكيل ما تحويه لواعج الامطار وعوالجها، ورسلك من الملائكة إلى أهل الارض بمكروه ما ينزل من البلاء، ومحبوب الرخآء، والسفرة الكرام البررة، والحفظة الكرام الكاتبين، وملك الموت وأعوانه، ومنكر ونكير، ورومان فتان القبور، رالطائفين بالبيت المعمور، ومالك، والخزنة، ورضوان، وسدنة الجنان والذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. والذين يقولون: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. والزبانية الذين إذا قيل لهم: خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ابتدروه سراعا ولم ينظروه. ومن أوهمنا ذكره، ولم نعلم مكانه منك، وبأي أمر وكلته. وسكان الهوآء والارض والمآء، ومن منهم على الخلق فصل عليهم يوم تأتي كل نفس معها سائق وشهيد، وصل عليهم صلاة تزيدهم كرامة على كرامتهم، وطهارة على طهارتهم اللهم وإذا صليت على ملائكتك ورسلك، وبلغتهم صلاتنا عليهم، فصل عليهم بما فتحت لنا من حسن القول فيهم إنك جواد كريم.
Shafi 12
4: الصلاة على مصدقي الرسل
وكان من دعائه عليه السلام في الصلاة على أتباع الرسل ومصدقيهم
اللهم وأتباع الرسل ومصدقوهم من أهل الارض بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب والاشتياق إلى المرسلين بحقائق الايمان. في كل دهر وزمان أرسلت فيه رسولا، وأقمت لاهله دليلا، من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله من أئمة الهدى، وقادة أهل التقى على جميعهم السلام، فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان. اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الازواج والاولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الاباء والابناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم الهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم.
Shafi 13
ألهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان خير جزائك، الذين قصدوا سمتهم، وتحروا وجهتهم، ومضوا على شاكلتهم، لم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم والائتمام بهداية منارهم، مكانفين وموازرين لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم، ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم. أللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين، وعلى أزواجهم، وعلى ذرياتهم، وعلى من أطاعك منهم صلاة تعصمهم بهامن معصيتك، وتفسح لهم في رياض جنتك، وتمنعهم بها من كيد الشيطان، وتعينهم بها على ما استعانوك عليه من بر، وتقيهم طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك، والطمع فيما عندك، وترك النهمة فيما تحويه أيدي العباد لتردهم إلى الرغبة إليك والرهبة منك، وتزهدهم في سعة العاجل وتحبب إليهم العمل للاجل، والاستعداد لما بعد الموت وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الانفس من أبدانها، وتعافيهم مما تقع به الفتنة من محذوراتها، وكبة النار وطول الخلود فيها، وتصيرهم إلى أمن من مقيل المتقين.
Shafi 14
5: دعاؤه لنفسه وخاصته
وكان من دعاته عليه السلام لنفسه وأهل ولايته
يامن لاتنقضي عجائب عظمته، صل على محمد وآله، واحجبنا عن الالحاد في عظمتك. ويا من لا تنتهي مدة ملكه، صل على محمد وآله، وأعتق رقابنا من نقمتك. ويا من لا تفنى خزائن رحمته، صل على محمد وآله، واجعل لنا نصيبا في رحمتك. ويا من تنقطع دون رؤيته الابصار، صل على محمد وآله، وأدننا إلى قربك. ويا من تصغر عند خطره الاخطار، صل على محمد وآله وكرمنا عليك. ويا من تظهر عنده بواطن الاخبار، صل على محمد واله ولا تفضحنا لديك. اللهم أغننا عن هبة الوهابين بهبتك، واكفنا وحشة القاطعين بصلتك، حتى لا نرغب إلى أحد مع بذلك، ولا نستوحش من أحد مع فضلك اللهم فصل على محمد وآله وكد لنا ولا تكد علينا، وامكر لنا ولا تمكر بنا، وأدل لنا ولا تدل منا. اللهم صل على محمد وآله، وقنا منك، واحفظنا بك، واهدنا إليك، ولا تباعدنا عنك إن من تقه يسلم، ومن تهده يعلم، ومن تقربه إليك يغنم. الهم صل على محمد وآله واكفنا حد نوائب الزمان، وشر مصائد الشيطان ومرارة صولة السلطان. اللهم إنما يكتفي المكتفون بفضل قوتك فصل على محمد وآله، واكفنا وإنما يعطي المعطون من فضل جدتك فصل على محمد وآله وأعطنا، وإنما يهتدي المهتدون بنور وجهك فصل على محمد وآله واهدنا. اللهم إنك من واليت لم يضرره خذلان الخاذلين، ومن أعطيت لم ينقصه منع المانعين، ومن هديت لم يغوه إضلال المضلين. فصل على محمد وآله، وامنعنا بعزك، من عبادك وأغننا عن غيرك بإرفادك واسلك بنا سبيل الحق بإرشادك. اللهم صل على محمد وآله واجعل سلامة قلوبنا في ذكر عظمتك وفراغ أبداننا في شكر نعمتك وانطلاق ألسنتنا في وصف منتك. أللهم صل على محمد وآله واجعلنا من دعاتك الداعين إليك وهداتك الدالين عليك ومن خاضتك الخاصين لديك يا أرحم ألراحمين.
Shafi 15
6: دعاؤه عند الصباح والمساء
وكان من دعائه عند الصباح والمساء
ألحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته، وميز بينهما بقدرته، وجعل لكل واحد منهما حدا محدودا، وأمدا ممدودا، يولج كل واحد منهما في صاحبه، ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به وينشئهم عليه، فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب، ونهضات النصب، وجعله لباسا ليلبسوا من راته ومنامه، فيكون ذلك جماما وقوة، ولينالوا به لذة وشهوة. وخلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا فيه من فضله، وليتسببوا إلى رزقه، ويسرحوا في أرضه، طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم، ودرك الاجل في اخراهم. بكل ذلك يصلح شأنهم، ويبلو أخبارهم وينظر كيف هم في أوقات طاعته، ومنازل فروضه ومواقع أحكامه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. اللهم فلك الحمد على مافلقت لنامن الاصباح، ومتعتنابه من ضوء النهار، وبصرتنا من مطالب الاقوات، ووقيتنا فيه من طوارق الافات. أصبحنا وأصبحت الاشياء كلها بجملتها لك: سماؤها وأرضها وما بثثت في كل واحد منهما ساكنه ومتحركه ومقيمه وشاخصه وما علا في الهواء وما كن تحت الثرى. أصبحنا في قبضتك يحوينا ملكك وسلطانك وتضمنا مشيتك، ونتصرف عن أمرك، ونتقلب في تدبيرك. ليس لنا من الامر إلا ما قضيت ولا من الخير إلا ما أعطيت. وهذا يوم حادث جديد، وهو علينا شاهد عتيد، إن أحسنا ودعنا بحمد، وإن أسأنا فارقنا بذم اللهم صل على محمد وآله وارزقنا حسن مصاحبته واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة، أو اقتراف صغيرة أو كبيرة. وأجزل لنا فيه من الحسنات وأخلنا فيه من السيئات. واملا لنا ما بين طرفيه حمدا وشكرا وأجرا وذخرا وفضلا وإحسانا.
Shafi 16
اللهم يسر على الكرام الكاتبين مؤونتنا، واملا لنا من حسناتنا. صحائفنا ولا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا. اللهم اجعل لنا في كل ساعة من ساعاته حظا من عبادك، ونصيبا من شكرك وشاهد صدق من ملائكتك أللهم صل على محمد وآله، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن جميع نواحينا حفظا عاصما من معصيتك هاديا إلى طاعتك مستعملا لمحبتك. اللهم صل على محمد وآله ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا لاستعمال الخير وهجران الشر وشكر ألنعم واتباع السنن ومجانبة البدع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة الاسلام وانتقاص الباطل وإذلاله ونصرة الحق وإعزازه، وإرشاد الضال، ومعاونة الضعيف وإدراك اللهيف. اللهم صل على محمد وآله واجعله أيمن يوم عهدناه، وأفضل صاحب صحبناه، وخير وقت ظللنا فيه. واجعلنا من أرضى من مر عليه الليل والنهار من جملة خلقك وأشكرهم لما أوليت من نعمك وأقومهم بما شرعت من شرائعك، وأوقفهم عما حذرت من نهيك. اللهم إني اشهدك وكفى بك شهيدا واشهد سماءك وأرضك ومن أسكنتهما من ملائكتك وسائر خلقك في يومي هذا، وساعتي هذه، وليلتي هذه، ومستقري هذا، أني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت قائم بالقسط، عدل في الحكم، رؤوف بالعباد، مالك الملك رحيم بالخلق، وأن محمدا عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك، حملته رسالتك فأداها وأمرته بالنصح لامته فنصح لها. اللهم فصل على محمد وآله أكثر ما صليت على أحد من خلقك وآته عنا أفضل ما آتيت أحدا من عبادك واجزه عنا أفضل وأكرم ما جزيت أحدا من أنبيائك عن امته. إنك أنت المنان بالجسيم الغافر للعظيم، وأنت أرحم من كل رحيم، فصل على محمد وآله الطيبين الطاهرين الاخيار الانجبين.
Shafi 17
7: دعاؤه في المهمات
وكان من دعائه عليه السلام اذا عرضت له مهمة أو نزلت ملهمة وعند الكرب:
يا من تحل به عقد المكاره، ويا من يفثأ به حد الشدائد، ويا من يلتمس منه المخرج إلى روح الفرج، ذلت لقدرتك الصعاب وتسببت بلطفك الاسباب، وجرى بقدرتك القضاء ومضت على إرادتك الاشياء، فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة. أنت المدعو للمهمات، وأنت المفزع في الملمات، لايندفع منها إلا ما دفعت، ولا ينكشف منها إلا ما كشفت. وقد نزل بي يا رب ما قد تكأدني ثقله، وألم بي ما قد بهظني حمله، وبقدرتك أوردته علي وبسلطانك وجهته إلي. فلا مصدر لما أوردت، ولا صارف لما وجهت، ولا فاتح لما أغلقت، ولا مغلق لما فتحت، ولا ميسر لما عسرت، ولا ناصر لمن خذلت فصل على محمد وآله، وافتح لي يا رب باب الفرج بطولك، واكسر عني سلطان الهم بحولك، وأنليني حسن ألنظر فيما شكوت، وأذقني حلاوة الضنع فيما سالت. وهب لي من لدنك رحمة وفرجا هنيئا واجعل لي من عندك مخرجا وحيا. ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فروضك واستعمال سنتك. فقد ضقت لما نزل بي يا رب ذرعا، وامتلات بحمل ما حدث علي هما، وأنت القادر على كشف مامنيت به، ودفع ماوقعت فيه، فافعل بي ذلك وإن لم أستوجبه منك، يا ذا العرش العظيم.
Shafi 18
8: دعاؤه في الاستعاذة
وكان من دعائه عليه السلام في الاستعاذة من المكاره وسيئ الاخلاق ومذام الافعال.
أللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص، وسورة الغضب وغلبة الحسد وضعف الضبر وقلة القناعة وشكاسة الخلق، وإلحاح الشهوة ، وملكة الحمية، ومتابعة الهوى، ومخالفة الهدى، وسنة الغفلة، وتعاطي الكلفة، وإيثار الباطل على الحق والاصرار على المأثم، واستصغار المعصية، واستكثار الظاعة، ومباهاة المكثرين، والازرآء بالمقلين، وسوء الولاية لمن تحت أيدينا وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا، أو أن نعضد ظالما ، أو نخذل ملهوفا، أو نروم ما ليس لنا بحتق نعجب، أو نقول في العلم بغير علم ونعوذ بك أن ننطوي على غش أحد، وأن نعجب بأعمالنا، ونمد في امالنا، ونعوذ بك من سوء السريرة، واحتقار الصغيرة، وأن يستحوذ علينا الشيطان، أو ينكبنا الزمان، أو يتهضمنا، السلطان. ونعوذ بك من تناول الاسراف، ومن فقدان الكفاف ونعوذ بك من شماتة الاعداء ومن الفقر إلى الاكفاء ومن معيشة في شدة وميتة على غير عدة. ونعوذ بك من الحسرة العظمى، والمصيبة الكبرى ، وأشقى الشقآء وسوء المئآب، وحرمان الثواب، وحلول العقاب. اللهم صل على محمد وآله، وأعذني من كل ذلك برحمتك وجميع المؤمنين والمؤمنات يا أرحم الراحمين.
Shafi 19
9: دعاؤه في الاشتياق
وكان من دعائه عليه السلام في الاشتياق إلى طلب المغفرة من الله جل جلاله
أللهم صل على محمد وآله وصيرنا إلى محبوبك من التوبة وأزلنا عن مكروهك من الاصرار. أللهم ومتى وقفنا بين نقصين في دين أو دنيا فأوقع النقص بأسرعهما فناء، واجعل التوبة في أطولهما بقاء. وإذا هممنا بهمين يرضيك أحدهما عنا ويسخطك الاخر علينا، فمل بنا إلى ما يرضيك عنا، وأوهن قوتنا عما يسخطك علينا، ولا تخل في ذلك بين نفوسنا واختيارها; فإنها مختارة للباطل إلا ما وفقت أمارة بالسوء إلا ما رحمت. اللهم وإنك من الضعف خلقتنا، وعلى الوهن بنيتنا، ومن مهين ابتدأتنا، فلا حول لنا إلا بقوتك ولا قوة لنا إلا بقوتك، ولاقوة لنا إلا ابعونك. فأيدنا بتوفيقك وسددنا بتسديدك وأعم أبصار قلوبنا عما خالف محبتك ولا تجعل لشيء من جوارحنا نفوذا في معصيتك. اللهم فصل على محمد وآله واجعل همسات قلوبنا وحركات أعضائنا، ولمحات أعيننا، ولهجات ألسنتنا في موجبات ثوابك، حتى لا تفوتنا حسنة نستحق بها جزآءك، ولا تبقى لنا سيئة نستوجب بها عقابك.
Shafi 20
10: دعاؤه في اللجأ إلى الله تعالى
وكان من دعائه عليه السلام في اللجأ إلى الله
اللهم إن تشأ تعف عنا فبفضلك، وان تشأ تعذبنا فبعدلك. فسهل لنا عفوك بمنك، وأجرنا من عذابك بتجاوزك; فإنه لاطاقة لنا بعدك، ولانجاة لاحد دون عفوك. يا غني الاغنياء، ها نحن عبادك، وأنا أفقراء إليك فأجبر فاقتنا بوسعك، ولاتقطع رجاء نابمنعك فتكون قد أشقيت من استسعد بك، وجرمت من آسترفد فضلك. فإلى من حينئذ منقلبنا عنك، وإلى أين مذهبنا عن بابك؟ سبحنك إنحن المضطرون الذين أوجبت إجابتهم ، وأهل السوء الذين وعدت الكشف عنهم. وأشبه الاشياء بمشيتك، وأولى الامور بك في عظمتك رحمة من استرحمك، وغوث من استغاث بك، فارحم تضرعنا إليك، وأغننا إذ طرحنا أنفسنا بين يديك. أللهم إن الشيطان قد شمت بنا إذ شايعناه على معصيتك، فصل على محمد وآله ولا تشمته بنا بعد تركنا إياه لك، ورغبتنا عنه إليك.
Shafi 21