باب الإضمار:
من سُنن العرب الإضمار. ويكون على ثلاثة أضرُب: إضمارُ الأسماء، وإضمارُ الأفعال، وإضمارُ الحروف.
فمن إضمار الأسماء قولهم: "ألا يَسْلَمِي" يريدون "ألا يا هذه اسلمي". وفي كتاب الله جلّ ثناؤه ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ ١ بمعنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا. فلما لم يذكر "هؤلاء" بل أضمرهم اتصلت "يا" بقوله: "اسجدوا" فصار كأنه فعل مستقبل. ومثله قول ذي الرّمّة٢:
ألا يسْلَمِي يا دار مَيٍّ على البِلَى ... ولا زال مُنهلا بِجَرْعائِك القَطْرُ
وأخبرني علي بن إبراهيم عن محمد بن فرج عن سلمة عن الفرّاء سمع بعض العرب يقول: "ألا يَرْحَمْنا" يعني: ألا يا ربنا ارحمنا. ويقولون:
يا هل أتاها على ما كان من حَدَثٍ
و:
يقولون لي يَحْلِفْ ولست بحالفٍ
بمعنى: يا هذا احلِفْ.
ويُضْمِرُونَ مِن الأسماء "مَنْ" فيقولون: "ما في حَيِّنا إلا له إبلُ" أي: مَنْ له إبل. و"كذبتم بني شابَ قَرْناها" أي: مَن شاب. وفي كتاب الله جلّ ثناؤه: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ﴾ ٣ أي: من له. ويضمرون "هذا" كقول حُميْد٤:
أنت الهلالي الذي كانت مَرَّةً ... سمِعنا به والأرْحَبِيُّ المُعَلفُ
أي: وهذا الأرحبيّ، يعني بعيره.