توقيعي الهمايوني الرفيع إذا وصل يصير معلوماته من المستغني عن الوصف والبيان والإيضاح والتبيان. خطة ولاية بغداد الجسيمة من أعظم القطع المركبة من الممالك المحروسة من دولتي العلية ومن اقتضاء أرضها ووضعها، قابلة لكل نوع من الإعمار والترقي. وهذا شيء من المسلمات. وبناء على كل نوع لأجل استحصال أسباب إعمارها أعز الآمال والمطالب عند سلطتي الهمايونية اقتضى انتخاب وتعيين ذات مقتدر بمنه تعالى بإيصال الفعل إلى حيزه في رأس إدارة ذلك المحل وفق آمالي الهمايونية. وأنت إلى الآن بوقوفك ووجودك في خطوب سلطتي السنية مع اتصافك بالغيرة والإقدام والدراية وحسن إبراز خدماتك، إن شاء الله الملك المعين، تقتدر على إيفاء مطلبي المستصحب للميمنة والخير؛ فقد صدرت إرادتي السنية المزينة لسنوح المواهب إحالة وتفويض إدارة أمور ملكية وعسكرية الولاية المذكورة اعتبارا من اليوم الثاني من شهر ذي القعدة سنة ألف ومائتين وخمسة وثمانين لعهدة لياقتك.
وفي هذا العدد الأول بمكان المقالة خطاب الوالي مدحت باشا الذي ألقاه في الاحتفال بقراءة ذلك الفرمان العالي، وفيه يعلن رأيه في الإدارة ويذكر الأهلين بحالة أوروبا وتقدمها.
وفي العدد شذرات رنانة في مدح جلالة السلطان والثناء عليه والدعاء له.
كانت الزوراء تنشر شئون الولاية وأحوالها والقوانين والأنباء الرسمية والبراءات السلطانية ونصوص المعاهدات والوثائق وأخبار السلطنة والدول الأخرى.
قرأت في أعدادها الأولى مقالة موضوعها وعنوانها «أسباب تدني العراق ووسائل ترقيته»، كما حوت هذه الجريدة رسائل من أنحاء العراق، ولم تهمل السياسة الدولية؛ فقد اطلعت فيها على ملخص مقال مترجم عن جريدة «تايمس» اللندنية في قضية الفلمنك، فضلا عما تضمنته أعدادها من مقالات صحية وتعليمية وإدارية، ومنها حث على تعليم البنات وقرارات المحاكم في الآستانة.
ويرى البعض أن «الزوراء» بإدارة مدحت باشا كانت صريحة اللهجة تدون الوقائع بحرية وتصدع بالحق، ولكنها بعد ذهابه - وقد عاشت خلفه سبعة وأربعين عاما - تغيرت لهجتها، وأصابها ما أصاب الصحافة العثمانية في العهد الحميدي من الضغط والتشديد عليها وخنق حريتها. وعلى كل ففي سنواتها الأربعين الأولى احتوت صفحاتها من أخبار البلاد العراقية وسكانها ما لا يعثر عليه أو على أكثره في أي مرجع تاريخي آخر. وفي سنواتها الثلاث الطليعة سجلت بدقة ما قام به مدحت باشا من أعمال وإصلاحات، بحيث تعد خير مرجع لتاريخه في العراق. ولكن من المؤسف ألا نجد لهذه الصحيفة البكر مجموعة كاملة الآن.
قلت إن الزوراء كانت تكتب باللغتين العربية والتركية، فلما بزغ نور الدستور على العثمانيين سنة 1908 وظهرت في بغداد جرائد عربية، طوي قسمها العربي وصارت تكتب باللغة التركية فقط، فاحتج على ذلك فريق من الأهلين من ذوي النزعة القومية أو ممن لا يعرفون التركية ويريدون الوقوف على مضامين الجريدة الرسمية من أنباء وبيانات، فاقتنعت الحكومة لطلبهم وعادت تنشر باللغتين سنة 1913. وقد أصاب القسم العربي في جريدة «الزوراء» التباين في الأسلوب واللغة، فكانت ركيكة سخيفة أحيانا ومقبولة فصيحة أحيانا أخرى.
وثار الانتقاد لأسلوبها العربي من الأدباء في أقطار العروبة، فنعوا على جريدة تنشرها الحكومة في بغداد، مدينة الأدب العربي الخالدة، وتحمل اسم «الزوراء» تبدو بهذه الركاكة الفاضحة، تعج بالأغلاط المزرية، فأنصتت السلطة إلى هذا الانتقاد فتبين لها أن العلة في كون تحريرها مناطا ببعض موظفي الولاية ممن لا يحسنون العربية، فضلا عن الكتابة الفصيحة بها، فعهدت بتحرير القسم العربي منها إلى جماعة من رجال العلم والفضل.
وممن حرر فيها من الأدباء العراقيين في القرن الماضي ومطلع هذا القرن كتابة وترجمة عن التركية أحمد عزت باشا محمود الفاروقي الموصلي، وكان كاتب العربية في الولاية، وهو ناظم ناثر، وأخوه علي رضا، ومن الأدباء الشاويين عبد الحميد الشاوي وأحمد وعبد المجيد وطه الشواف من العلماء، ومحمود شكري الألوسي؛ وقد كتب فيها هذا الأستاذ مقالات علمية وأدبية كان لها أثرها في تحريك الجو الأدبي الراكد، ولا سيما ما عرضه على علماء بغداد من المسائل للمناقشة والمناظرة. ومن كبار محرريها فهمي المدرس، الذي ولي إدارة مطبعتها والتحرير فيها باللغتين العربية والتركية وعمره لم يتجاوز 21 سنة.
ويظهر أن هذه الجريدة الرسمية انحطت كثيرا في كتابتها من حيث المادة واللغة والبيان؛ فقد قال فيها الأب أنستاس ماري الكرملي في سلسلة مقالات نشرها عن «صحافة بغداد» في مجلة «المسرة»:
Shafi da ba'a sani ba