ثم شاركت صحف أخرى في طليعتها العراق في الانتصار للمؤلف في هذه القضية، فصدر قرار محكمة الاستئناف بفسخ الحكم.
أما الدفاع عن كرامة الصحافة والصحفيين فقد وقفته العاصمة يوم اعتدى البعض بالضرب في الشارع على الكاتب الجريء إبراهيم صالح شكر، صاحب جريدة «الناشئة» الانتقادية.
وبعد ذهاب وزارة النقيب، وقفت جريدة «العاصمة» موقفا يغاير رأي حزبها في موضوع الانتخابات «للمجلس التأسيسي»، فمنذ أن برزت للوجود أخذت على عاتقها الدعوة للانتخابات ووجوب ممارسة الأمة حقوقها، ثم اعترض «الحزب الحر» على بعض حوادث هذه الانتخابات واحتج عليها وأظهر استعداده لعدم خوض غمارها، فلم يفتر هذا من عزم محرر الجريدة في المطالبة بمواصلة عملية الانتخاب، فظهر المحرر مستقلا برأيه عن الحزب في هذه المسألة، يسانده بعض أقطاب حزبه، ولم يزل يعالج الموضوع حتى انصاع الحزب للرأي المصيب، فقررت لجنته المركزية الاشتراك في الانتخابات ببيان أذاعته على الشعب. ولا بد من القول بأن التيار السياسي الموجه من الوزارة والبلاط الملكي كان من أقوى الدوافع للحزب على موقفه الأخير، وليس منطق الصحافي وحده.
ولم يكتب «للعاصمة» حياة طويلة، فانحلال حزبها قد عجل في موتها مأسوفا عليها من العقلاء فلم تعمر إلا حوالي سنة واحدة آخرها في 24 آب (أغسطس) سنة 1923، ووظف محررها رئيسا لديوان الإنشاء في المجلس التأسيسي، وانتقل بعدها إلى السلك الإداري في وظائف الدولة.
هذه جريدة «الحزب الحر». أما الحزبان الوطنيان اللذان نزلا إلى ميدان العمل السياسي فلم يصدرا جرائد، ولا سيما أنهما أقفلا بأمر المندوب السامي البريطاني ولما تمض على فتحهما مدة كافية.
ولما عادا إلى الحياة السياسية لم تكن لهما صحف تعرف فعلا أنها ألسنة لهما، ومع أن عبد الغفور البدري صاحب جريدة «الاستقلال» أحد مؤسسي «الحزب الوطني» إلا أن جريدته كانت تعضد الحزب وتروج لسياسته ومبادئه حينا، وتخالف الحزب وتنفرد بالرأي أحيانا أخرى، نظير موقفها من الانتخابات للمجلس التأسيسي؛ فقد دعت جريدة «الاستقلال» للاشتراك في الانتخابات وأبدت نشاطا ملحوظا في هذا المجال، وقارعت «الحزب الحر» لما تظاهر بالميل لمقاطعة الانتخابات حتى وصفها أحدهم بأنها كانت «لسان حال الانتخابات»، مع أن جماعة كبيرة في «الحزب الوطني» قررت مقاطعة هذه الانتخابات، وأكثر من ذلك أنها احتفلت بافتتاح «المجلس التأسيسي» بإصدار عدد خاص بثماني صفحات بهذه المناسبة التاريخية.
و«حزب النهضة» هو الآخر لم تكن له جريدة في هذا الوقت.
صحافة الأحزاب في العراق
اجتمع «المجلس التأسيسي» يوم 27 آذار (مارس) سنة 1924 وعرضت عليه المعاهدة العراقية الإنكليزية لسنة 1922، ولكي تتصوروا أهمية هذا الموقف أنقل لكم جانبا من خطاب ناجي السويدي من الساسة البارزين في المجلس بصدد ما نحن فيه قال:
نحن الآن قد وصلنا إلى النقطة الحيوية المتعلقة بحياة البلاد أو مماتها، شقاؤها أو سعادتها، فليس أعظم من هذا الموقف فيما مضى على البلاد العراقية من قبل الحرب الكبرى إلى يومنا هذا، جهادنا العظيم، وفي مطالبتنا بحقوقنا المشروعة التي أيدتها الأمم كافة .
Shafi da ba'a sani ba