وأحسب أن الذي حملهم على ذلك من جهة التحقيق اعتقادهم أن معرفة الله تجب عليهم أولا، ثم الشرائع بعد ذلك، فتوهموا بذلك أنهم غير مخاطبين بها.
وهذا باطل؛ لأنا نعلم أنا مخاطبون بالصلاة، وإن كان الطهور واجبا علينا قبلها، وكذلك أيضا معرفة الله تعالى تجب على المسلم قبل الشرائع وجوبها على الكافر، ولم يقل أحد إنه غير مخاطب؛ ولأن الله تعالى حكى عن المشركين يوم القيامة أنهم عوقبوا على الصلاة، فلو كانوا غير مخاطبين بها لم يعاقبوا، دليله الطفل والمجنون كما قدمنا، وذلك ثابت في قوله تعالى: {ما سلككم في سقر(42)قالوا لم نك من المصلين(43)ولم نك نطعم المسكين(44)وكنا نخوض مع الخائضين(45)وكنا نكذب بيوم الدين(46)} [المدثر:4246]، ولم ينكر عليهم سبحانه ذلك، ولأن الكذب في الآخرة لا يجوز وقوعه.
مسألة:[الكلام في الأمر إذا ورد بعبارة تحتمل الحقيقة والمجاز
هل يجوز أن يكونا مرادين أم لا يجوز؟]
اختلف أهل العلم في الأمر إذا ورد بعبارة تصلح لمعنيين أحدهما حقيقة والآخر مجازا؛ هل يجوز أن يكون المعنيان معا مرادين بها، أو لا يجوز؟
فذهب كثير من أصحاب أبي حنيفة إلى أنه لا يجوز أن يراد بعبارة واحدة معنيان مختلفان، وهو المروي عن الشيخ أبي عبدالله رحمه الله وكان يشترط في ذلك أن يكون المخاطب واحدا، والوقت واحدا.
وعندنا أنه يجوز أن يراد بالعبارة الواحدة الحقيقة والمجاز إذا قدر زوال التنافي بين الإرادتين لكونهما من مقدور العبد، ويجوز أن يدعو الداعي إلى مقتضاهما، أو يصرف الصارف عنه فتوجد العبارة المفيدة لهما وهي مقدورة أيضا.
Shafi 60