Zaɓin Zabura
صفوة الاختيار في أصول الفقه
Nau'ikan
ومنهم من قال: التعبد به جائز، ولو ورد لقلنا به، ولكنه لم يرد، فهذه ست مقالات في المنع من القياس ينبغي أن نتكلم عليها أولا قبل الكلام في أمر القياس.
فالذي يدل على بطلان المقالة الأولى: أنا نقول إن الشرع ورد على وجه يقتضي بصحة القياس؛ لأنه يوجب أن كل أمرين اشتركا في علة الحكم وجب أن يشتركا في ذلك الحكم، وإن اختلفا في الصورة، وما ذكره من أن القياس يوجب المساواة بين المثلين في الصورة غير سديد؛ لأن مبنى التكليف على مصالح استأثر الله بعلمها ولا يمتنع اختلاف المتشابهين في الصورة في باب المصلحة، فلا يكون لمشابهتهما تأثير.
وأما المقالة الثانية: وهي أن التعبد بالقياس لو جاز في بعض الشرعيات لجاز في جميعها كما في دلالة العقل؛ فالكلام عليها أنا نقول: هذا جمع بين الشيئين من غير علة تجمعهما، وذلك لا يجوز، ولأن هذا قول من لا يعرف القياس؛ لأنه لا بد للقياس من أصل يرجع إليه ليبتني القياس عليه، وهذه المقالة توجب رجوع القياس إلى غير أصل فكأن هذا القائل قال: إن كان التعبد بالقياس صحيحا أوجب أن يستعمل حيث لا يجوز استعماله، وهذا خلف من القول وجرى مجرى من يقول: لو كانت دلالة العقل صحيحة لوجب استعمالها في الشرعيات، فإذا لم يمكن استعمالها في الشرعيات فهي باطلة، فكما أن هذا القول لا يستقيم كذلك ما تقدم.
فالمقالة الثالثة: وهي المنع من جواز استعمال القياس لأجل أنه يرجع إلى الظن؛ فالدليل على بطلانها: أن كثيرا من الشرعيات ترجع إلى الظن، وقد قضى الكل بجوازه كالقول في قيم المتلفات وأروش الجنايات، والحكم بشهادة الشهود إلى غير ذلك، فكما وجب ثبوت هذه الأحكام عند الكافة في الشريعة والمرجع بها إلى الظن فكذلك القياس.
Shafi 290