وظل سموه بالأستانة حتى أعلنت الحرب الأوربية المشهورة في أول أغسطس سنة 1914، فطلبت دولة بريطانيا من الخديوي السابق أن يبرح الأستانة إلى إيطاليا فلم يذعن لأوامرها. فبسطت حمايتها على مصر وأمرت بخلعه، وهذا ما كان من أمره. وقد تولى عرش مصر من بعده المغفور له السلطان حسين كامل الأول.
أمراء العائلة الملكية
(1) ترجمة الأمير عمر طوسون باشا
حضرة صاحب السمو الأمير عمر طوسون.
ولد الأمير عمر بن طوسون بن سعيد بن محمد علي الكبير بمدينة الإسكندرية في 8 سبتمبر سنة 1872م، وفي السنة الرابعة من عمره توفي والده فكفلته جدته لأبيه خير كفالة، وعنيت بتربيته هو وإخوته وأخواته أجل عناية فنبت نباتا حسنا، وشب على الكمال خلقا وخلقا. ودرس مبادئ العلوم على أساتذة قصر والده إلى أن بلغ الحلم فنزح إلى سويسرا ودرس فيها دراسة مستفيضة. ولما تخرج تاقت نفسه إلى السياحة، فرحل إلى إنجلترا وفرنسا باحثا مدققا معتبرا بما هنالك من تقدم اجتماعي وعلمي وصناعي وزراعي، ثم قفل إلى الديار المصرية حاملا بين جنبيه همة علية ونفسا زكية وقلبا ألمعيا وأدبا عبقريا. وهو يجيد اللغات التركية والعربية والفرنسية والإنجليزية قراءة وكتابة، ويشارك في مختلف العلوم مشاركة تدل على سمو مداركه. وسعة معارفه وقد نال من الرتب والوسامات المصرية أسماها وأعلاها. واقترن بإحدى كريمات الأمير حسن باشا بن الخديوي إسماعيل، فرزقه الله منها النجباء والنجيبات من البنين والبنات، وسعادتهم بتثقيفه وتعليمه لهم تتفق مع سعادة طالعهم. وتبشر بأنهم سيطلعون نجوم سماء ويسطعون كواكب علاء.
وللأمير ولع بالفروسية وكل ما يؤدي إليها؛ فلذلك كانت دائما جميع أندية الرياضة في البلاد ملحوظة بجميل رعايته. كمضامير السباق في الديار المصرية فهو رئيسها منذ آن بعيد. ومن أكبر المنشطين لها. كما له ولع قديم بالصيد والقنص جعله من أمهر الرماة. واكتسب الأمير من وراء هذا الميل الغريزي فيه صحة ونشاطا ينطلقان بفوائد الرياضة بأفصح لسان.
رسم وتاريخ حضرة صاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون باشا أمير الإحسان والمحسنين.
ومنذ بلغ أشده جعل نصب عينيه أن يقبض يوما على زمام دائرته ويدير شؤونها بنفسه. فانكب على التمرن وكان من وقت لآخر يطوف بمزارعه الواسعة وينعم النظر في كتب الفلاحة، ويعنى بالوقوف على أسرارها وأصولها العملية. كما يعنى إذا رجع إلى ديوان دائرته بالشؤون الإدارية والمالية. ولما كملت أهليته تولى أمره بنفسه وقد أصبح الآن ممن يشار إليهم بالبنان في سعة الإطلاع على المعارف الزراعية والمعاملات المالية. وعهدت إلى إدارته بعد دائرتين من أكبر الدوائر وهما دائرة الأمير حسن باشا وزوجه الأميرة خديجة هانم، ودائرة الأمير محمد إبراهيم فتبرع بإدارة شؤونهما غيرة منه على مصالح المستحقين فيها من أبناء أسرته الكريمة، وأبي أن يأخذ على ذلك أجرا، وطالما كلفه الطواف على مزارع الدائرتين ورعاية مصالحهما مالا. فتأبى نفسه الكريمة إلا أن يكون على حسابه الخاص. فهو يضحي بالكثير من وقته وماله في سبيل منافع بعض أعضاء أسرته شأنه في محبة الخير، وإسداء النصيحة إلى القريب والبعيد. وقد بلغت الدوائر الثلاث بحسن إدارته أعلى مكانة. وغدا مركزها المالي ثابتا على أقوى الدعائم، ونهضت بها عزيمته نهضة جعلتها في مقام رفيع.
ومن وقف على حياة الأمير عجب أشد العجب من انكبابه على العمل دون سآمة أو ملل، فهو مع أعمال الدوائر العظيمة لا ينقطع عن القراءة والدرس في مكتبته الحافلة بالنفائس. وله غرام باقتناء كتب التاريخ والوقوف على آثار الأقدمين، ولا يخلو الكثير من أيامه من النظر في شأن هام، أو دعوة لاكتتاب، أو رئاسة جمعية كما لا يخلو شهر من سفره إلى ضياعه مرة أو أكثر. وقد يبقى في الأرياف أسبوعا لمشارفة الأعمال الجارية في أراضيه وأراضي الدائرتين الموكولتين إليه.
والأمير بعيد بفطرته السليمة وتربيته القديمة عما يغضب الله وهو يكره الخمر، ويكره شاربيها ويعاقب من يعلم أنه يشربها من موظفيه أشد العقاب. ويجل الإسلام وأوامره. وإيمانه بالله عظيم، واعتقاده فيه راسخ. يعجبه من الناس الصدق والإخلاص ويقربهم إليه أكثر مما يقربهم جاههم ومناصبهم. ومحبته للمصريين تعدل محبتهم له وهم في نظره سواء لا فرق بين مسلمهم ومسيحيهم. وكثير من موظفي دوائره من الأقباط وبينهم من بلغوا مراكز سامية. وتولوا المناصب العالية عنده، وفيهم سوريون وأجانب، وهو شرقي في ميوله، ويعتبر أن أكبر جزاء له من الأمة المصرية على التفاته السامي نحوها، وعنايته التي يظهرها في ظروف مختلفة لصالحها، هو ذلك الحب الخالص الذي يتجلى لسموه في غدوه ورواحه ، وعند كل فرصة تمكنها من إظهار ما تكنه لشخصه المحبوب. وفي أيام المظاهرات الوطنية الكبرى كان يقف الجمع المحتشد تحت شرفات دائرته هاتفا له داعيا. ولا ينصرف حتى يطل سموه عليهم ويحييهم. وكذلك حالهم معه في كل مشهد واحتفال.
Shafi da ba'a sani ba