357

Safwat Azal

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Nau'ikan

مقدمة للمؤرخ

إن الخسارة العظمى التي لحقت بالأمة المصرية عامة ، والقبط خاصة، بفقد هذا العالم الكبير، والمؤرخ الشهير، لن تتعوض، كيف لا وقد كان الفقيد من جهابذة المؤرخين المدققين، واسعي الخبرة والاطلاع، ومن علماء هذا العصر وحسب القارئ الكريم تلك المجلدات التاريخية الضخمة التي حوت من درر المعاني وسير الغابرين أي: من بدء أيام نوح عليه السلام دولة فدولة إلى انقراض ملك الروم بالفتح الإسلامي إلى ظهور محمد علي باشا الكبير جد العائلة المالكة الآن، ووصف حروبه وولاية ذريته من بعده إلخ ما جاء بتلك المجلدات التاريخية الثمينة أن يحكم حكما جازما أن هذا الفقيد العظيم، والراحل الكريم، ركن من أركان العلم والفضل ومؤرخ لا يجارى في الوصف، كما كان إداريا بكل معنى الكلمة في جميع وظائفه الحكومية التي شغلها في حياته العملية، واتصف بالنزاهة والجد والإقدام، ولو كان الله أفسح في حياته لرأينا فوق ما ظهر من آثاره العلمية الخالدة مؤلفات شتى وأبحاث هامة، ومصنفات تاريخية شيقة، رحمه الله رحمة واسعة وأثابه خيرا بعدد فضله وغزارة علمه ومجهوداته القيمة لخدمة التاريخ.

المرحوم ميخائيل بك شاروبيم.

مولده ونشأته

ولد الفقيد عام 1277ه بجهة حارة السقايين بقسم السيدة زينب بمصر من أبوين شريفين حسبا ونسبا، فغذياه بلبان الآداب المنزلية حتى بلغ السابعة من العمر فدخل مع شقيقه الأكبر المرحوم حنا بك شاروبيم مدرسة حارة السقايين، فتلقى فيها العربية والإنجليزية والفرنساوية ومبادئ اللغة القبطية، فأظهر على حداثة سنه نبوغا كبيرا في الإنشاء والأدب، وله فيهما عدة قصص وحكايات بأسلوب جميل راق وقلم سيال، ولما أن بلغ الرابعة عشرة من عمره عين في قلم التحريرات الأفرنجية بوزارة المالية، وما كاد ينقضي عليه عامان في ذاك المركز حتى رقي مترجما فسكرتيرا خصوصيا للمرحوم إسماعيل باشا صديق، ولبث في هذه الوظيفة إلى سنة 1876م حيث نقل بعد وفاة الباشا المشار إليه سكرتيرا ثانيا للمستر إسكرفتر مديرا للجمارك، فوكيلا لكبير تلك المصلحة، وفي أواخر سنة 1877م انتخب لإدارة جمارك دمياط وسلخ سائر أعمالها من محافظتها؛ لتكون إدارة مستقلة على قاعدة ثابتة فقام بما عهد إليه أحسن قيام حتى استحق الثناء الوافر من رؤسائه، فرقوه أمينا للجمرك المذكور، وزادوا في مرتبه، وفي سنة 1880م رقي أمينا لجمرك بور سعيد ولأسباب صحية استقال من منصبه وعاد إلى القاهرة، غير أنه عاد إلى خدمة الحكومة بعد شهور، حيث طلبته المراقبة الثنائية على عهد المستر كولفن الإنجليزي، والمسيو دي بلبينار الفرنسوي وعينته مفتشا بها، وفي سنة 1882م طلب منه المرحوم سلطان باشا نائب الحضرة الخديوية يومئذ تشكيل ديوان يقوم بأداء لوازم الجيش الإنجليزي، الذي دخل البلاد فقام وشكل الديوان وجمع لعماله من دواوين الحكومة نحو 70 معاونا و50 جنديا من الكتاب وأربعة من المترجمين، وسار في عمله بدقة ونشاط وهمة، حتى شهد له نفس الإنجليز وولاة الأمور بحسن الإدارة والاجتهاد، ثم ألغي هذا الديوان فأعيد المترجم إلى وزارة المالية بناء على طلبها بوظيفة مفتش، فلم يقبل هذا المنصب وطلب الراحة من عناء الأعمال فأجيب إلى طلبه.

وفي يناير سنة 1884م عين قاضيا بمحكمة المنصورة الأهلية، ثم رئيسا لنيابة تلك المحكمة، وكانت يومئذ أكبر النيابات وأوسعها اختصاصا؛ لأنها كانت تشمل مديريتي الدقهلية والشرقية ومحافظات دمياط وبور سعيد والإسماعيلية والسويس والعريش، وفي آخر شهر يوليو من تلك السنة منحه سمو الخديوي عباس باشا الثاني الرتبة الثانية؛ مكافأة له على اجتهاده، وفي شهر نوفمبر أنعم عليه جلالة ملك اليونان بوسام المخلص من رتبة كومندور؛ اعترافا بأياديه البيضاء على الجالية اليونانية بإقليم الشرقية، وفي أوائل فبراير سنة 1885م أنعم عليه جلالة شاه العجم بوسام الشمس «شيروخورشيد» من الدرجة الرابعة مكافأة له على تحسين العلائق بين المحكمة ودولة إيران، وفي أوائل سنة 1888م أنعم عليه ملك إسبانيا بوسام القديس يوحنا من رتبة شفاليه.

أما أعماله في منصب رئاسة نيابة المنصورة، فمعلومة ومآثره العديدة تضيق عن الحصر، ولا يزال أهاليها يذكرونه في كل مناسبة كما كان المسيو لوجريل النائب العمومي في ذاك العهد يحبه حبا جما، ويتخذ أعماله قدوة يقتدي بها عمال النيابات الأخرى، ولم يتخل عن إطرائه حتى بعد اعتزاله الأعمال وتركه لخدمة الحكومة.

وعندما تولى المرحوم رياض باشا الوزارة في أغسطس سنة 1888، وقع بينه وبين المترجم نفور فمغاضبة بسبب اختصاص الوظيفة، وبالرغم من تدخل المرحوم توفيق باشا الخديو السابق في الأمر، فقد اعتزل المترجم الخدمة وسافر إلى بني سويف مسقط رأس أبويه، وكان لم يرها إلى ذلك الحين حيث أقام بها مشتغلا بالزراعة وتفليح ما له من الأراضي الزراعية.

مؤلفاته التاريخية القيمة

ثم عكف على تأليف كتابه الكافي وهو أربعة أجزاء ضخام:

Shafi da ba'a sani ba