ولد هذا الراعي الصالح بعزبة الدير المحرق التابع لمركز منفلوط من أعمال مديرية أسيوط في سنة 1590 للشهداء، الموافقة لسنة 1873 ميلادية من أبوين تقيين ربياه على الفضيلة والتقوى والصلاح، وأدخله والده مكتب البلدة فتعلم فيه مبادئ القراءة والكتابة العربية والقبطية، ولما بلغ الثامنة عشر من عمره قصد دير البرموس الكائن ببربة بشهات «أي: ميزان القلوب» بمديرية البحيرة في يوم الخميس 4 بشنس سنة 1607، وكان يدعى عبد الملك نصر الله فسافر بمعية نيافة الحبر الجليل الأنبا يؤنس مطران الإسكندرية، وجناب قنصل روسيا بإسكندرية الذي قصد زيارة الدير في ذاك العام، فكان فيه مثال التقوى والورع.
وفي 16 برمودة سنة 1609 الموافقة سنة 1892 ميلادية كرس راهبا بالدير المذكور في عهد رئاسة المرحوم القمص باخوم رئيس الدير، وقد واصل الليل بالنهار في حفظ التسبحة والمزامير والألحان الكنائسية، والاشتراك مع الرهبان في أشغال الدير الضرورية ، وأخذ فضله يظهر منذ ذاك الحين حتى نال عن جدارة واستحقاق وظيفة القساوسة، بوضع يد الكلي القداسة الجزيل الاحترام غبطة البابا المعظم الأنبا كيراس الخامس بطريرك الإسكندرية في يوم الأحد الموافق 13 بابه سنة 1613-1896م، وأطلق عليه باسم القمص عوض تبركا وإحياء لذكر المتنيح الراهب البرماوي، الذي عند ذكر اسمه في وضع يد غبطة البطريرك ذرفت عيناه الطاهرة بالدموع حزنا على ذلك الراهب الراحل الكريم، فكان لهذا المنظر أعظم تأثير عند الحاضرين، مما دل على ما كان عليه ذاك المتوفى من المكانة السامية عند قداسة البابا، ثم تعين صاحب الترجمة وكيلا لأشغال عزبة الدير بطوخ النصارى «منوفية» في شهر هاتور من ذاك العام في عهد رئاسة الأنبا ساويرس مطران كرسي صنبو الآن، وفي 30 هاتور عام 1614-1897م رسم قمصا، وفي أول توت سنة 1616-1899م انتظم في سلك طلبة مدرسة الرهبان الأكليريكية بالإسكندرية، فلبث بها أربع سنوات برز فيها في العلوم اللاهوتية وصار من كبار رجال الدين، وقد وضع نيافته كتابا للمواعظ مرتبا على فصول الحدود والأعياد بطول السنة، وكلها إرشادات روحية، وتعاليم وقواعد أرثوذكسية ولكن لم يطبع بعد. وفي 4 برمهات سنة 1619 الموافقة لسنة 1902، أسند إليه نيافة مطران كرسي الإسكندرية وكالة البطريكخانة، فقام بشؤون وظيفته خير قيام وبرهن على ما له من الخبرة والدراية، ونال ثناء نيافة المطران وإعجاب الإسكندريين لفضله وكمال أدبه، وفي يوم الأحد الموافق 7 برمهات سنة 1621 الموافقة لسنة 1905، أسندت إليه أسقفية كرسي المنيا والأشمونين خلفا للمرحوم الأنبا ديمتريوس، فأظهر حزما واقتدارا ملك بهما قلوب شعبه، كما أسندت إليه درجة المطرانية في 8 بابه سنة 1625 الموافق 18 أكتوبر سنة 1908، وفي سنة 1912 ضم إليه بندر ملوي، وفي سنة 1914 ضمت إليه أبروشية بردونوها التي تحتوي على إحدى عشرة بلدة ذلك؛ لأنه رجل العمل الحقيقي، ولا شك أن القارئ الكريم عند مطالعته للأعمال الهامة التي قام بها نيافة صاحب الترجمة يتأكد قوة عزيمته، وصدق إرادته وبعد نظره وغيرته على رفع لواء الدين والعلم والأدب بين ربوع أبروشيته، التي أصبحت زاهرة بفضل مجهوده، وتفرغ كل أوقاته لخير ورفاهية شعب أبروشيته، الذي يفاخر به في كل مجلس وناد، ولكن من سوء الحظ قد ألمت به الأمراض، فأشار عليه الأطباء بالسفر للبلاد الأوربية وفعلا سافر أولا للقدس الشريف في 16 أبريل سنة 1924 لتأدية الواجب الديني وزيارة الأراضي المقدسة، وهناك وجد الراهب فيلبس الموكل لعمارة كنيسة أريحا، فتبرع نيافته بمبلغ ستين جنيها، وجمع من الذين معه بمعيته خمسة وأربعين جنيها، وسلمها للراهب المذكور، وسافر بعد ذلك لأوربا وقابل أشهر الأطباء الذين قرروا فحصه جيدا، وقرروا بأن المرض ناتج من كثرة الأشغال والمجهودات. وإننا نذكر هنا بعض أعماله الخيرية والعلمية والدينية والمادية، التي خدم بها طائفته وفيها الدليل الكافي على ما لنيافته من الفضل الجزيل. (1)
إزالته دار المطرانية القديمة وتجديدها على الطراز الحديث، ونقشها نقشا بديعا، وجلب لها ثمين الأثاث حتى أصبحت تضارع أعظم المباني في العظمة والأبهة، وبها متسع لإضافة الغرباء والواردين والمترددين، حيث يقابلون بكل ترحاب، وقد أنارها بالكهرباء. (2)
وجه عنايته لإصلاح المدرسة فأنشأ مدرسة جديدة بأرض السراية على الطراز الحديث أيضا، صرف عليها نحو الخمسة عشر ألف جنيه، وأعلا مقامها وجعل فيها قسما ثانويا هو الآن المنهل العذب لطلاب العلم بمديرية المنيا، وقد زارها كثير من وطنيين وأجانب وجاهروا بأنها أحسن وأجمل وأفخم ما بني من نوعها عند الأقباط في القطر المصري، ونتائجها الثانوية في الشهادتين الابتدائية والكفاءة تدل على اختياره أحسن الأساتذة القائمين بالتدريس بها، ونذكر مع الشكر حضرة الأستاذ الفاضل نخله أفندي خليل المحامي بالمنيا، الذي كان أكبر عضد مالي وأعظم مشجع أدبي لنيافته في إنشاء هذه المدرسة، فضلا عن أنه أوقف عليها خمسة أفدنة من أطيانه الخصوصية. (3)
تقسيم المدرسة القديمة إلى خمسة منازل وأوقفها على الدار المطرانية للانتفاع بإيجارها. (4)
أنشأ كنيسة ومدرسة بالروضة. (5)
أنشأ كنيسة الفكرية. (6)
أنشأ مدرسة بالبياضية. (7)
إصلاح وترميم وتوسيع دير القديس أبو يحسن. (8)
تجديد كنيسة أتليدم. (9)
Shafi da ba'a sani ba