ثوب السرور مدى الأيام مبتهجا
مولده ونشأته
ولد هذا الحبر الجليل في بلدة تزمنت التابعة لمديرية بني سويف عام 1832 ميلادية 1824 مسيحية قبطية 1548ش، ودعي باسم حنا، وعند بلوغه الخامسة من عمره هجر أبواه مسقط رأسيهما واستوطنا كفر سليمان الصعيدي من أعمال مركز مديرية الشرقية، ولما انتقل المرحوم والده إلى الدار الباقية تكفل شقيقه الأكبر المعلم بطرس بتعليمه وتهذيبه فكانت تلوح عليه مخائل النجابة، وآيات الزهد والطهارة، والميل إلى التعبد والدرس، وإنكار الذات.
ولما أن بلغ العشرين من عمره هجر منزل آله وتوجه إلى دير السريان بالجبل الغربي، فلم يلبث بضعة أيام حتى استرجعه أهله فعاد ولكن روحه تاقت إلى الرهبنة، ولم تكن دعوة الناس تغير دعوة الله، فلبث بين قومه زمانا وجيزا وهم يلاطفونه بكل الحيل، ويزينون له أطايب الحياة العالمية، ويعظمون له أنعاب الرهبنة، فأخذ يتربص الفرص حتى تمكن من الهروب، فذهب رأسا وترهب في دير البرموس ببرية شهات، وهي أبعد دير بالجبل الغربي، وعمره إذ ذاك عشرون سنة.
وكان هذا الدير وقتئذ في أشد حالات الفقر إذ كانت أطيانه في أيدي الغير يستغلونها لأنفسهم، فكانت تمر على رهبانة أيام لا يسدون رمقهم إلا «بالترمس» الذي كان مدخرا في الأديرة من عهد المرحوم إبراهيم الجوهري، فتناقص عددهم إلى أن وصل إلى ثلاثة أشخاص، فسلك صاحب الترجمة بأحسن ما يتصور النسك والزهد، فلما رأى فيه الرهبان ذلك أجمع رأيهم على ترقيته إلى درجة الكهنوت، فكتبوا له «التذكية» وأرسلوه إلى القاهرة، فكرسه الأب سرابمون العجائبي أسقف المنوفية قسا في كنيسة حارة الزويلة عام 1853م، وبعد قليل اختاره الرهبان مديرا لشؤونهم لعنايته التامة بهم ، فتحسنت أحوالهم وأحوال الدير على يديه، وكثر عددهم وتفانوا مثله في الزهد والتعبد، وكان دائما يلقي عليهم المواعظ الروحية ويعلمهم ويفيدهم بما منحه من المعارف الدينية والأدبية.
وفي عام 1855 ميلادية 1863م ق، 1571 ش استدعاه المثلث الرحمة البطريريك دمتريوس ووسمه أغومانوسا وأقامه مساعدا في الكنيسة الكاتدرائية بالأزبكية، فشق على الرهبان مفارقته للدير ولم يستطيعوا الصبر على بعده، فكتبوا إلى البطريريك متوسلين في إعادته لتدبير شؤونهم وألحوا في ذلك مرارا، فلبى التماسهم وأعاده إلى محله فلبث قائما بأعباء وظيفته خير قيام حتى انتخبه المطارنة والأساقفة، وأعيان الطائفة القبطية بطريريكا للكرازة المرقسية في يوم الأحد أول نوفمبر سنة 1874ميلادية/23 بابه سنة 1591ش باسم كيرلس الخامس في الاسم النبيل، وفي العدد الثاني عشر بعد المئة من خلفاء الرسول ماري مرقس الإنجيلي، وكرس باحتفال حافل حضرة عظماء القوم من جميع أنحاء القطر، يتقدمهم حضرات أصحاب السمو أمراء البيت الملكي وكبار الموظفين، ووكلاء الدول، وتواردت على غبطته التهاني من كافة أنحاء البلاد الأوربية.
إنشاء المجلس الملي العام
بعد وفاة المتنيح الأنبا ديمتريوس البطريرك السالف، تعين المتنيح الأنبا مرقس مطران الإسكندرية وكيلا لإدارة الكرسي المرقسي رثما يرسم بطريرك آخر، ولما رأى أن أعمال الطائفة تستدعي أعمال مجلس يعاونه على شؤونها العديدة، فباتفاقه مع أعيان الشعب وقتئذ عملوا لائحة خاصة محتوية على إدارة المدارس والكنائس والأوقاف والأديرة والفقراء.
ولما رسم غبطة البطريرك الحالي ورأى أن هذه اللائحة مجحفة بالسلطة الدينية؛ لأن في نصوصها تداخل الشعب في محاكمة الأكليروس وإدارة أوقاف الرهبان وغير ذلك عز عليه هذا، ولكن رجال المجلس أرادوا الاستبداد بهذه السلطة، فنشأ عن هذا خلاف بين السلطة الأكليركية والسلطة الشعبية، ولقد ناضل غبطته طويلا في هذا الحق المقدس، ولم يثنه عنه لا نفي ولا طرد إذ إنه نفي بدير البرموس في سنة 1892، وعاد معززا مكرما وعدلت اللائحة أخيرا كغرضه؛ لأن الحق يعلو والباطل يزهق بتعديل سنة 1908 وسنة 1912.
ونظرا لاتساع أعمال الطائفة في جهات القطر عمل لهم مجالس فرعية بلائحة خاصة باختصاصها.
Shafi da ba'a sani ba