وكأننا: أنا وحمدي وعبد القادر وسعيد ومصطفى وعلي ومحمود، كأننا ما زلنا بعد في ظلال هذا القتيل، صداقة الطفولة والصبا والشباب ... حمدي واقف في أقصى اليمين، ومحمود في أقصى اليسار، وفي وسط الصورة سعيد ... وحول سعيد من اليمين واليسار أنا وعبد القادر ومصطفى وعلي ... ولا ينقص الصورة شيء لتروي قصة حادث القتل الفظيع.
هؤلاء هم أبطالها ... من عجب أن تضعهم الأقدار في الصورة، كما وضعتهم في القصة سواء بسواء، إن حمدي ومحمودا كانا في القصة ... كما هما في الصورة، على الهامش، وسعيد ... إنه في وسط الصورة ... ولقد كان أيضا مركز القصة، وأنا على مقربة من سعيد، بالضبط كما شاءت الأقدار أن أكون في القصة، لقد كنت على مقربة من سعيد، وإن لم أقم بأي دور كان، شأني كمرتاد الحانة التي ينشب فيها عراك، فيأخذ البوليس بتلابيب كل روادها، وغالبيتهم لم تشترك في المعركة ... أجل ... شهدت القصة، لا مع الجمهور، وإنما على المسرح مع الأبطال.
ولو ذكر ممثلو القصة بحسب ظهورهم على مسرحها لذكرت أنا قبل أي واحد من هؤلاء، أنا الذي عرفت سعيدا بمصطفى، ودعوتهما إلى داري غداة يوم التقينا فيه لأول مرة بعبد القادر، وعن طريق عبد القادر تعرف كل منا بعلي وحمدي ومحمود.
في اليوم الذي التقطت فيه هذه الصورة، كان قد مر على هذا التعارف بضعة أعوام، وكان أول فصول القصة وأجملها ... لم يهبط عليه الستار بعد ... الفصل الحافل بالبهجة والمرح والهناء ...
لقد هبط عليه الستار ذات يوم، ونحن نغادر باب الجامعة شبانا قد أتموا دروسهم، وشرعوا يتهيئون للحياة العملية، لقد كان فصلا سعيدا، وتلاه الفصل الثاني، ولم يكن أقل منه بهجة، فصل قضيناه نشوى بخمر الرجولة الباكرة، فرقتنا سبلنا في الحياة، وجمعتنا السهرات الجميلة في بيت عبد القادر ... والمائدة الشهية في «شقة» علي، والنزهات المرحة في سيارة سعيد.
ونزل الستار عن هذا الفصل أيضا ذات مساء ... نزل على نهاية سعيدة هي زواج سعيد بالفاتنة الناعمة سهام، وقلنا جميعا حين قدمنا إلى خطيبته قبيل نزول الستار ... قلنا في غبطة وغيظ معا: فزت يا وغد ... إنها قطعة فنية.
وقال سعيد، وهو يضحك: وقطعة ثمينة أيضا ... إنكم لم تعرفوا من أخلاقها ما أعرف، إنها آية في الأدب والذكاء.
وبدأ الفصل الثالث، وقد دخل في القصة بطل جديد هو سهام، وبدا في أول الأمر أن دورها لن يكون هاما ...
كانت كما وصفها حمدي ذات يوم كطاقة جميلة من الزهر، ستتخذ مكانها من المنظر لتزيد في بهائه ... ولكن طاقة الزهر تحركت ذات يوم من مكانها في صدر المنظر ... وما دار بخلد واحد منا ... حتى سعيد نفسه أنها ستكون البطل الوحيد الذي سينزل عليه الستار، وأننا سنصبح في نهاية القصة مجرد صورة مكانها قبو الذكريات ... نحن الذين صفقنا لها حين تحركت من مكانها ... وحين قامت بدور البطلة ... البطلة التي أعدت لنا موائد أشهى من كل الموائد التي نعمنا بها في دار صديقنا علي، وسهرات أنستنا سهرات عبد القادر ...
مر عام على زواج سعيد بسهام، واحتفلنا في نهايته بذلك اليوم السعيد الذي وهبنا الله فيه هذه الطاقة الجميلة من الزهر.
Shafi da ba'a sani ba