فندق كتاراكت بأسوان ...
رأيت اليوم الآنسة «ر» في شرفة الفندق، كانت جالسة وحدها تحتسي فنجانا من الشاي، وإلى جانبها على المقعد بضع مجلات، وسلة بها أدوات «تريكو» ...
إني أعرف الآنسة «ر» من القاهرة ... تعرفت بها في منزل شقيقي منذ بضعة شهور، عصر أحد الأيام كانت مع ثلاث فتيات من صديقات أختي، وتجاذبنا أطراف الحديث مدة نصف ساعة، وكان يروقني الحديث معها، ومع أن الجلسة كانت لطيفة، والآنسة «ر» كانت جذابة إلا أنني اضطررت أن أترك المنزل لارتباطي بموعد سابق، موعد هام كان من الصعب أن أخلفه ... ومنذ ذلك اللقاء لم أرها إلا اليوم ...
وتركت مكاني، وذهبت فحييتها، ويظهر أنني تركت في نفسها منذ لقائنا الأول نفس الأثر الذي تركته في نفسي، فقد عرفتني للفور، وأحسست أنها سرت برؤيتي، ولكنها على ما بدا لي، كانت محرجة ولا تستطيع دعوتي للجلوس معها، ولكنها قالت، وهي تنظر حواليها، إنهم عائدون هي وأسرتها بقطار المساء إلى القاهرة، ولما قلت لها إنني سأعود بعد أربعة أيام، قالت وهي تبتسم: سنراك في مصر إن شاء الله ...
وما زال رنين هذه الكلمات في أذني إلى الآن ... وأنا أكتب هذه السطور في مذكراتي بعد منتصف الليل، وقد سكن كل شيء ...
4 من فبراير سنة 1929
قابلت اليوم الآنسة «ر» وهي خارجة من محل شيكوريل، وكانت مصادفة لطيفة؛ فقد خطرت بفكري هذا الصباح، وكنت أفكر في طريقة للاتصال بها.
وقالت لي «ر» ونحن نسير في شارع فؤاد إنها تخرجت من المدرسة منذ عامين، وإنها تضيق بحياة المنزل، وإنها تقرأ كثيرا، وأحسست أنا أنها لا تضيق بحديثي معها، وأنها ليست مرتبطة بأي موعد، فدعوتها لتتناول فنجانا من الشاي معي في «جروبي».
حينما تتحدث الفتاة عن نفسها يكون معنى ذلك في نظر الرجل أنها تدعوه للتعارف ... والرد الطبيعي على هذا الحديث هو أن يتحدث عن نفسه ... وقد لبيت هذه الدعوة، وأخذت أتحدث عن نفسي ...
لكن يعلم الله أنني لم أقل اليوم للآنسة «ر» كلمة صدق واحدة، بل لم أتحرك حركة طبيعية واحدة ... إن اليوم الأول في بدء علاقتنا كان تمثيلا رائعا ... من جهتي أنا على الأقل ...
Shafi da ba'a sani ba