ويقف سيد يقلب القماش الجميل في متجر الأقمشة، ويروقه أحد أثواب القماش فيدقق فيه النظر، وتمر بخياله صورة فاطمة، وقد ارتدت ثوبا من هذا القماش، ويسأل البائع عن الثمن ...
ويذكر البائع ثمنا يتخاذل أمامه سيد، وتمتد يده بحثا عن قماش أرخص، ويقول البائع، وهو يقص الثوب أرخص قماش استطاعت نقود سيد أن تحتمله: كل شيء قد ارتفع ... العيد قد قرب، وشدت الأسعار.
وتمر بخيال سيد صورة لم يعرها التفاتا في الصباح، لقد ارتفع ثمن الحذاء أيضا اليوم، الحذاء الذي يصنعه هو وزملاؤه زاد ثمنه ثمانين قرشا.
وينقد البائع الثمن، وينصرف ليشتري حلة لحسن، وتطرق سمعه مرة أخرى - وهو ينقد البائع ثمن الحلة الصغيرة المتواضعة - أحاديث السعر الذي ارتفع، يقول له البائع: الدنيا عيد، وكل شيء قد غلا ثمنه ... كانت هذه الحلة أقل ثمنا منذ شهر واحد، بل منذ أسبوع واحد، ثم ارتفع ثمن كل شيء.
وتبدو صورة واجهة المتجر - متجر الأحذية - واضحة لعيني سيد، حيث ارتفع ثمن الحذاء بالأمس فقط ... ويحاول سيد أن يربط بين سعر الحذاء وسعر الثوب ... وسعر الحلة الصغيرة المتواضعة، ولكن عقله الصغير لا يمضي بعيدا، إنه يقف عند كلمة عيد، العيد هو الذي رفع الأسعار فطارت قروشه التي أجهد نفسه طوال ليالي رمضان من أجلها، ومع ذلك فقد نفدت هذه القروش ... ولم يشتر الكعك بعد ... الكعك الذي سألت عنه فاطمة، ومناها به سيد ذات ليلة ...
لو لم ترتفع الأسعار لما أعجزه أن يشتري الكعك ... كانت ستبقى معه القروش الثمانون ليشتري أقتين ونصفا من الكعك، ثمانون قرشا هي كل ما يحتاج إليه ... ويمضي عقله ثانيا في خواطر سابحة، يمضي إلى بائع الحلل الصغيرة ... لقد أخذ منه هذا الرجل الثمانين قرشا ثمن الكعك، أو هو بائع الثياب، الثياب الجميلة التي اشترى من أرخصها ثوبا لفاطمة هو الذي غصبه الثمانين قرشا، أو ...؟
تمر بعقله صورة المتجر ... متجر الأحذية من جديد ... الأحذية التي صنعها بيديه هو وزملاؤه.
الأحذية التي ارتفع سعر كل منها ثمانين قرشا ... الثمانون قرشا ثمن الكعك، زوج واحد من الأحذية التي يصنعها ... وأقتان ونصف من الكعك، وعبثا حاول سيد أن يطرد الصورة، صورة زوج الأحذية، وأقات الكعك الضئيلة، عبثا حاول أن ينسى الورقة الصغيرة المثبتة فوق الحذاء، الورقة التي رفعت ثمنه ... ثمانين قرشا ... اختلطت في رأسه الصور، وكان قد وصل إلى بائع الكعك، فألقى نظرة على الأقراص المتراصة في كوم ضخم، وحاول أن يقف، ولكن عقله رده في سرعة فابتعدت قدماه، وكأنما خشى أن تغلبه نزواته، وآب إلى المنزل بحمله الصغير ... ثوب فاطمة وحلة حسن، وتلقاه الصغيران في غبطة وفرح، ومرت لحظات سعيدة أفاق بعدها على صوت حسن: وأين الكعك يا أبي؟
والتقت عيناه بعيني سنية ... وعلى غير قصد منها نظرت إلى سوارها النحيل في رعب، ولم تفت سيد هذه المرة نظرتها، ومرت لحظة أجاب بعدها سيد: غدا سآتيكم بالكعك ...
وخرج سيد بعد لحظات ميمما شطر المصنع، وجلس بين زملائه يعمل في صمت وكآبة، ومرت ساعات النهار حتى الإفطار بطيئة مملة، وأخذ العمال ينصرفون مهرولين، وظل سيد مكانه ... وسأله واحد منهم: ألا تذهب لتفطر في بيتك يا سيد؟
Shafi da ba'a sani ba