قبل وقت غير طويل من وفاتها، عندما كنت لا أزال أقيم في المنزل، تلقت أمي خطابا من فلورا الحقيقية. جاء الخطاب من تلك المدينة قرب المزرعة، المدينة التي اعتادت فلورا أن تذهب إليها، في العربة الكبيرة مع روبرت، ممسكة بأجولة الصوف أو البطاطس.
كتبت فلورا أنها لم تعد تعيش في المزرعة.
كتبت قائلة: «لا يزال روبرت وأودري يعيشان هناك ... بخلاف بعض المتاعب في ظهره، كان روبرت يتمتع بصحة جيدة. دورة أودري الدموية كانت ضعيفة، وكانت تصاب بضيق في التنفس كثيرا. يقول الطبيب: إنها يجب أن تفقد بعض وزنها، لكن يبدو أن أيا من النظم الغذائية التي تتبعها لا يجدي. كانت أمور المزرعة تسير على خير ما يرام. أوقفوا تربية الخراف بالكامل وتحولوا إلى تربية الأبقار الحلوب. فمثلما قد تكوني سمعتي، أهم الأشياء على الإطلاق الآن هو الحصول على حصة اللبن من الحكومة، ثم يصبح كل شيء على ما يرام. الإسطبل القديم مزود بماكينات حلب وأحدث المعدات، يا له من أمر رائع! عندما أذهب إلى هناك، لا أكاد أعرف أين أنا.»
استمرت في حديثها قائلة إنها تعيش في المدينة منذ بضع سنوات، وإنها حصلت على وظيفة في أحد المتاجر، لا بد أنها قالت أي نوع من المتاجر كان ذلك، لكنني لا أذكر الآن. بالطبع، لم تذكر شيئا عما قادها إلى ذلك القرار، سواء كان قد جرى طردها من مزرعتها، أو باعت حصتها، دون أن تجني فيما يبدو كثيرا من وراء ذلك. شددت على صداقتها مع روبرت وأودري، وقالت إن صحتها جيدة.
كتبت قائلة: «سمعت أنك لم تكوني محظوظة في حياتك؛ قابلت مصادفة سليتا بارنز التي كانت تدعى سليتا ستابلتون في مكتب البريد في موطني، وأخبرتني أن لديك بعض المشكلات في عضلاتك، وقالت إن قدرتك على الكلام تأثرت أيضا. أحزنني سماع ذلك، لكن يستطيع الأطباء عمل الكثير هذه الأيام؛ لذا آمل أن يستطيع الأطباء مساعدتك.»
خطاب مزعج، لا يتحدث عن أشياء كثيرة. لا توجد أي إشارة في الخطاب إلى إرادة الله أو دوره في ابتلاءاتنا، لا يوجد أي ذكر حول ما إذا كانت فلورا لا تزال تذهب إلى تلك الكنيسة. لا أعتقد أن أمي قامت بالرد على هذا الخطاب. كان خطها الجميل، وأسلوبها في الكتابة كمدرسة قد تدهورا، وكانت بالكاد تستطيع الإمساك بالقلم، كانت دوما تشرع في كتابة الخطابات ولا تستطيع الفراغ من كتابتها. كنت أجدها ملقاة في أنحاء المنزل. كانت خطاباتها تبدأ قائلة: «عزيزتي ماري»، و«حبيبتي روث»، و«عزيزتي الصغيرة جوان (على الرغم من أنني أدرك أنك لم تعودي صغيرة)»، و«صديقتي القديمة العزيزة سليتا»، و«محبوبتي مارجريت». كان أولئك النساء صديقاتها منذ أيام التدريس، أيام دراستها بكلية المعلمين، ومن المدرسة الثانوية. كان قليلا منهن من تلاميذها السابقين. كانت أمي تقول في تحد: لدي أصدقاء في جميع أنحاء البلاد. لدي أصدقاء أعزاء جدا.
أتذكر رؤية أحد الخطابات الذي كان يبدأ هكذا: «صديقة شبابي». لا أعلم إلى من كان الخطاب موجها؛ كن جميعهن صديقات شبابها. لا أتذكر أي خطاب كان يبدأ «عزيزتي وحبيبتي فلورا»، كنت أنظر إلى الخطابات دوما، محاولة أن أقرأ عبارات التحية والجمل القليلة التي كانت قد كتبتها، ونظرا لأنني لم أكن أتحمل أن أشعر بالحزن، كنت أشعر بعدم الصبر تجاه اللغة المنمقة، التي تستجدي بشكل مباشر الحب والشفقة. «كانت ستتلقى المزيد من ذلك.» هكذا كنت أحدث نفسي (أعني أكثر مما كنت أبعث به إليها)، إذا استطاعت الانسحاب في كرامة، بدلا من محاولتها طوال الوقت التأثير علي بأفكارها المريضة.
كنت قد فقدت الاهتمام بفلورا في ذلك الوقت، كنت أفكر دوما في القصص، وفي ذلك الوقت ربما كانت لدي قصة جديدة تدور بخلدي.
لكنني كنت أفكر بها منذ ذاك الحين، كنت أحدث نفسي أي نوع من المتاجر التي تعمل بها: متجر بيع أدوات معدنية، أم متجر مستلزمات منزلية رخيصة؛ حيث كانت ترتدي معطفا، أم صيدلية؛ حيث كانت ترتدي زيا مثل الممرضات، أم متجر ملابس نسائية؛ حيث يتوقع أن تبدو في هيئة أنيقة؟ ربما كان عليها أن تعرف أكثر عن خلاطات الطعام، أو المناشير الجنزيرية، أو الملابس الداخلية النسائية، أو مستحضرات التجميل، أو حتى العوازل الذكرية. ربما كان عليها أن تعمل طوال اليوم في ضوء المصابيح الكهربية، وتشغل ماكينة دفع نقدي. أتراها تصفف شعرها في صورة تموجات، وتطلي أظافرها، وتضع طلاء شفاه؟ لا بد أنها وجدت مكانا تعيش فيه - شقة صغيرة بها مطبخ صغير، مطلة على الشارع الرئيسي، أو غرفة في نزل. كيف تستطيع المضي في الحياة بمذهبها الكاميروني؟ كيف كانت تستطيع بلوغ تلك الكنيسة القصية إلا إذا نجحت في شراء سيارة وتعلمت قيادتها؟ وإذا فعلت ذلك فربما لم تكن تكتفي بقيادة السيارة إلى الكنيسة بل إلى أماكن أخرى، ربما تسافر في عطلات، ربما تستأجر كوخا يطل على بحيرة لمدة أسبوع، وتتعلم السباحة، وتزور إحدى المدن، ربما تتناول الطعام في مطعم، ربما في مطعم يجري تقديم المشروبات الكحولية فيه، ربما تصادق نساء مطلقات.
ربما تصادق رجلا، أخا أرملا لصديق، ربما رجلا لم يعرف أنها كاميرونية أو من هم الكاميرونيون، رجلا لا يعرف شيئا عن قصتها، رجلا لم يكن قد سمع قط عن الطلاء الجزئي للمنزل أو الخيانتين، أو أن الأمر تطلب منها كامل كرامتها وبراءتها حتى تتجنب أن تصبح أضحوكة. ربما يرغب في اصطحابها للرقص، وربما يجب عليها أن تفسر لماذا لا تستطيع الذهاب معه. ربما يندهش لكنه لن يصاب بخيبة أمل؛ فربما يبدو أمر المذهب الكاميروني هذا كله غريبا بالنسبة إليه، ولكن شيئا مثيرا، وهكذا بالنسبة للجميع. نشأت فلورا وفق تعاليم مذهب غريب، هكذا سيقول الناس. عاشت فترة طويلة في مزرعة مهجورة. رغم أنها غريبة الأطوار بعض الشيء، فإنها لطيفة حقا وجميلة أيضا، خاصة عندما قامت بتصفيف شعرها.
Shafi da ba'a sani ba