فترك طاهر أفندي التلفون، وبأسرع من لمح البرق كان في غرفة عائدة، فرآها وقد وضعت البرشامة في فمها والكأس على شفتيها، فقال: ابصقيها في الحال ابصقيها، فارتاعت عائدة وبصقت البرشامة في الكأس، وقالت: ويلاه، لماذا؟
فنهض الدكتور في الحال مرتعبا وقال: ماذا ماذا؟
وكان طاهر أفندي قد تناول الكأس من يد عائدة وقال: هل تناولت غيرها؟ - كلا، ما الخبر؟ لقد أرعبتني يا أبتاه! - الحمد لله، أين علبة البرشام؟
فتناولها الدكتور وفتحها، فتناولها منه طاهر أفندي وجعل يقلب البرشامات، فأعرب منها ثلاثا، وقال ليوسف بك: انظر، ألا ترى أن هذه الثلاثة برشامات تختلف عن البقية بقليل ما فيها من العقاقير؟ - وما سبب ذلك، وما معناه؟ - معناه أنك كنت تجرع عائدة سما. - ويلاه! لو تجرعت هي تلك البرشامة لتجرعت أنا هذه الثلاث، كيف حصل هذا؟ - عدو دس هذا السم.
ثم تناول الدكتور البرشامة التي في الكأس والماء يوشك أن يحلها، فانحلت بين أصابعه فرأى المادة الزرنيخية ضمن الكيناء، ثم هم أن يفتح البرشامات الثلاث، فمنعه طاهر أفندي قائلا: دعها كما هي. ثم أقفل العلبة ووضعها في جيبه، فقال الدكتور يوسف: بالله من هذا العدو، أخبرني عنه؛ لكي أمزقه؟ - كلا كلا، اكتموا الأمر الآن؛ لأن وقت الدينونة لم يأت بعد، اطمئنوا واحمدوا الله على السلامة.
أما عائدة فكانت مصفرة الوجه مرتعشة البدن من شدة الوجل، فقالت بصوت مضطرب: من هذا الذي يريد قتلي يا أبي؟ أي ذنب جنيت؟ رحماك يا أبي ارحمني.
فقبلها طاهر أفندي وقال: لا تخافي يا بنتي، طيبي نفسا وقري عينا، لا يصل إليك أذى قبل أن يصير علي. - من ذا الذي يريد بي شرا؟ ولماذا؟ - لو كان الذي يريد بك الشر عارفا بحقيقة أصلك لربما عض أصابعه ندما إن كان من البشر فاطمئني ولا تبحثي .
ثم عاد طاهر أفندي إلى غرفته واستدعى بالخادم وسأله: من أين أتيت بالدواء؟ - أجزاخانة (...) - من ركبه؟ - الأجزجي الشاب الذي يدعى الخواجه جاك. - أما كان أحد سواه هناك؟ - كلا البتة. - هل أعطاك بيده العلبة؟ - نعم. - هل أمسكها أحد سواك؟
فتردد الخادم قائلا: نعم. - من؟ - الخواجه الذي في دائرة عزيز باشا نصري. - أي خواجه؟ - الخواجه الرومي لا أعرف اسمه. - لماذا؟ - اعترضني في الطريق وكلفني أن أرسل له تلغرافا. - وهذه العلبة. - استودعتها معه إلى أن عدت. - لماذا قضيت مهمته وأنت في خدمة غيره؟
فجعل الخادم يرتجف قائلا: ألح علي أن أفعل فاستحيت منه. - اخرج، وإذا التفت بعد إلى أحد وأنت سائر في مهمة تخصني أنزلت بك أقصى عقاب.
Shafi da ba'a sani ba