وجعلت في ذلك الصباح أطوف على القهاوي؛ عساني أتنسم أخبار الجريمة فلم أسمع شيئا، ومن حسن الحظ أنه لم يهتد إلى جثة القتيلة حتى العصر؛ لأنها كانت مخبوءة بين الأنجم الغضة وراء أكمة الجزيرة الصناعية، فعثر عليها أحد الفلاحين مصادفة، وما وصلت إلى دار المحافظة حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، ولما فحصت الجثة وجدت مطعونة طعنتين بخنجر في ظهرها ووجد رأسها معصوبا بمنديل حريري ومعقود من وسطه والعقدة في فمها، وفي جيبها رسالة بالإفرنسية مختصرة هذا فحواها:
المدموازيل كارولين
يجب أن تلاقيني في هذا المساء في الجزيرة في نصف الليل فإن لي كلاما أقوله لك.
شاكر نظمي
ولما تحرت المحافظة منزلها، واستجوبت جارتها وأترابها قيل لها: إن عزيز وشاكرا يترددان عليها، ولا ريب أن عزيز لقن أولئك النساء هذه الشهادات فألقيت الشبهة عليهما، وبفحص المنديل وجدت إحدى زواياه مطرزة بهذين الحرفين بالإفرنجية «ش. ن» وهما يصدقان على اسم شاكر نظمي.
وفي الحال بثت المحافظة الشرطة في المدينة للقبض على شاكر بك.
فالذين أحدقوا بمنزله سألوا الخدم عنه فقالوا: إنه سافر إلى الإسكندرية منذ الصباح، وسألوهم عن أمه فقالوا: إنها خرجت في مركبتها إلى النزهة في الجزيرة، فلحقت الشرطة بها وأتوا بها إلى منزلها فاستجوبت عن ابنها فقالت: إنه منذ الأسبوع الفائت نوى أن يسافر إلى أوروبا للاصطياف كعادته، وقد سافر اليوم إلى الإسكندرية ولا أدري في أي باخرة يبرح. على أن الشرطة أخذوا من البيت بعض مناديله؛ لمضاهاتها بالمنديل الذي كان رأس القتيلة معصوبا به.
وكانت حينئذ قد فاتت الساعة الخامسة، فأرسلت المحافظة تلغرافا إلى محافظة الإسكندرية توعز إليها بالقبض عليه، ولكن من حسن الحظ أن الباخرة الفرنساوية كانت قد أبحرت به وبسائر الركاب منذ الساعة الرابعة فنجا. على أن المحافظة أرسلت تلغرافات متعددة إلى جميع الأساكل البحرية التي ترسو فيها الباخرة الفرنساوية تلتمس القبض عليه، فأخفقت مساعيها، ولم أدر كيف وصل إلى نابولي وأفلت من أيدي الشرطة هناك؟
كنت أسمع القليل من أخباره حينئذ، فكانت أمه تمده بالمال وسالم أفندي رحيم كاتب دائرته يحرس أملاكه ويتصرف بها كما يشاء بمقتضى توكيل رسمي منه، وهو رجل أمين جدا له، وما مضى نحو عام حتى كانت معظم أملاكه قد بيعت وأرسلت له نقودا - على ما أظن.
وبعد نحو سنة توفيت أمه، وفي خلال ذلك كان عزيز باشا نصري قد فاز بأمنيته فزفت إليه زينب بالرغم منها؛ لأنها كانت ترتاب بصحة التهمة التي ألقيت على شاكر، وعما قليل توفي حمدي باشا فوضع عزيز يده على الثروة وجعل يستغلها، ثم تلا ذلك أن وردت أخبار من إيطاليا تثبت وفاة شاكر هذا فوضع ذوو قرباه أيديهم على النزر الباقي من ثروته.
Shafi da ba'a sani ba