Sa'ad Zaghloul Shugaban Juyin Juya Hali

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
72

Sa'ad Zaghloul Shugaban Juyin Juya Hali

سعد زغلول زعيم الثورة

Nau'ikan

إنني مستعد لتأييد كل وزارة تأتي وتكون حائزة للرضاء العام، عاملة على تحقيق أماني البلاد؛ فإن الموقف دقيق جدا وأنا واثق من أني - وأنا خارج الوزارة - سأستطيع خدمة البلاد أكثر ألف مرة مما لو كنت داخلها. وتأكدوا أن الله معنا، ولا بد أن تفوز الأمة في النهاية إن شاء الله.

ولكن الغرض الأكبر في تلك الأيام لم يكن هو الخلاص من حادث السردار بوسيلة من الوسائل المرضية، بل هو استغلال ذلك الحادث العظيم لتحطيم سعد ومن يواليه، ولا سبيل إلى هذا التحطيم مع بقاء البرلمان وسريان أحكام الدستور.

وقد احتج البرلمان بمجلسه إلى عصبة الأمم على استغلال الحكومة البريطانية لحادث السردار في اهتضام السودان وتمزيق الاستقلال المصري، فلم يجد هذا الاحتجاج صدى له بين أعضاء العصبة إلا مندوبي إيران والسويد وأرجواي الأمريكية، وتعلل مندوبو الدول الكبرى بأن الاحتجاج لم يعرض على العصبة من قبل حكومة قائمة؛ لأن الوزارة السعدية كانت قد استقالت والوزارة الزيورية التي تلتها لا تحب أن تحتج على شيء من مطالب الإنجليز، ولا ترى للمسألة حلا مستطاعا عندها إلا الإذعان لما طلبوه.

وأذعنت الوزارة الزيورية فعلا لجميع المطالب البريطانية، وأرسلت من مصر رسولا إلى الضباط المصريين في السودان تأمرهم بالجلاء والعودة إلى بلادهم؛ لأنهم كانوا قد امتنعوا عن العودة وتسليم السلاح، حين بلغهم نائب الحاكم العام أمره باسم الحكومة البريطانية، ردوا عليه بأنهم لا يطيعون غير ملك مصر وأوامر حكومتها، فجاءهم هذا الأمر من الوزارة مع رسول في طيارة بريطانية، فأطاعوا راغمين وتمسكوا بالعودة حاملين السلاح والأعلام، غير مخفورين بالجنود الإنجليزية في طريقهم إلى الحدود.

وقد ترك زيور باشا رئيس الوزارة كل شيء للإنجليز من جانب، ولحسن نشأت باشا وكيل القصر الملكي من جانب، ولإسماعيل صدقي باشا وزير الداخلية فيما بقي له من شئون الوزارة، فلا رأي له ولا برنامج ولا إرادة، وسلمت الوزارة للإنجليز في مسألة جغبوب بالصحراء الغربية ومسألة نهر الجاش في السودان، وهما الهديتان اللتان ساومت عليهما بريطانيا العظمى صديقتها إيطاليا على حساب الحقوق المصرية والسودانية، وسلمت على الإجمال في كل ما أراده الإنجليز، واستباحوا به نصوص الدستور والقانون التي لا تقبل التأويل، ومنها القبض على النواب وهم في كنف الحصانة البرلمانية قبل أن يعرض الأمر على مجلس النواب، وجعلت شكوى النواب من عدوانها على الدستور والقانون وتفريطها في حقوق البلاد ذريعة إلى حل المجلس، وتعطيل البرلمان قبل أن تتقدم إليه.

ولم تعارض في مطلب من المطالب الإنجليزية إلا التوسع في زراعة القطن بالسودان؛ لأنه المطلب الذي فضح المناورة الاستعمارية، وأحست الحكومة البريطانية أن اللورد اللنبي أخطأ خطأ فاحشا في تضمينه إنذاره النهائي إلى سعد زغلول، وكان له دخل كبير في إقالة اللورد اللنبي بعد ذاك بشهور، فاهتمت بمداراته وإصلاحه، وأوعزت إلى أحمد زيور باشا بالمراجعة فيه، ولولا ذلك لما تحرك هو لمراجعة أو استدراك؛ لأنه رجل أشهر ما اشتهر به قلة الاكتراث وفلسفة المعيشة الرخية وعلى الدنيا بعد ذلك السلام؛ فما كلف نفسه قط قراءة الصحف المعارضة أو الموالية، وأعجب من ذلك أنه لم يكلف نفسه قراءة الدستور ... فإذا عرضت عليه حملة في إحدى الصحف على الوزارة قال: أغلقوها، أغلقوها. ونسي أن الدستور يمنع إغلاق الصحف بالوسائل الإدارية، وأن إغلاقها بهذه الوسائل مما تضيق عنه دائرة الاحتيال على النصوص، ويعرض الحكومة للمطالبة بالتعويضات، وكلما كرروا له التنبيه كرر هو النسيان!

ولم يكتمل لوزارته في الحكم شهران حتى كان «حزب الاتحاد» قد ظهر في عالم الوجود، وظهرت له صحيفة عربية وصحيفة فرنسية بأموال ليست أمواله على كل حال. وأصبح معيار الترقية عند عمال الإدارة عدد الأعضاء الذين ينضمون على أيديهم إلى حزب الاتحاد وينفضون من الهيئة الوفدية، وأبيح لهم في ذلك كل مباح، وتمادى بعضهم في حرب الدعوة لهذا الحزب ولغيره تماديا يزري بشرف الإنسان، فضلا عن شرف الموظف الأمين. ومن أمثلة ما استباحوه في اضطهاد الوفديين فظائع الدقهلية التي عرفت بفظائع أخطاب، وضجت منها أرجاء البلاد وألهبت في صدور المصريين كافة ذحولا لا ينطفئ لها أوار، ولا يرجى معها فلاح لحكومة من الحكومات، وصدر فيها حكم القضاء على ملاحظ البوليس بالسجن خمس سنوات جزاء له على ما ثبت من جناياته، وهو أيسر ما اتهم به ونسب إليه، ومنه إجهاض الحوامل، وقص شوارب الفلاحين بمقصات الحمير، وإكراههم على التسمي بأسماء النساء، وإهراق الماء على الأرض وتمريغ أنفسهم بأنفسهم في الوحل الذي صنعوه.

أما الانتخابات فقد كان الواجب أن تتم في ميعاد لا يتجاوز الشهرين على حسب نص الدستور، وأن ينعقد المجلس الجديد في خلال الأيام العشرة التالية ليوم الانتخاب، ولكن الوزارة تعللت بتعديل قانون الانتخاب وتنقيح الجداول للمطاولة في هذه المدة، فلم تحصل الانتخابات إلا في اليوم الثاني عشر من شهر مارس، ولم ينعقد المجلس إلا في الثالث والعشرين منه، ويكفي لبيان الأساليب التي جرت عليها الانتخابات الثلاثينية، ولم يعرف أن سعد زغلول أخفق في الانتخابات الثلاثينية ولم يظفر بخمسة عشر صوتا تجعله مندوبا ثلاثينيا في الحي الذي هو فيه! وعلى هذه الطريقة جرت الوزارة في تقسيم الدوائر حسبما يروق مرشحيها، وكتابة أسماء الناخبين وحذفها كما يملي أولئك المرشحون، وإقامة الحراس في الطرقات ليصدوا أناسا عن الصناديق ويدفعوا إليها بأناس آخرين. وبعد هذا كله ظهرت النتيجة، فإذا بسعد قد فاز بمائة وأحد عشر صوتا في اليوم الأول، ولا تزال في الدوائر بقية لم تظهر لها نتيجة. ثم أدب النواب السعديون مأدبة لزعيمهم في فندق سميراميس، فحضرها مائة وثلاثة عشر نائبا، واعتذر ثلاثة بمرضهم مع تأييدهم للزعيم، وفي هؤلاء وحدهم الكثرة اللازمة لإسقاط الوزارة المهزومة.

إلا أن الوزارة زعمت أنها هي الفائزة بالكثرة المطلقة، وحسبت من أصواتها أصوات جميع الأحزاب الأخرى، وهي: حزب الأحرار الدستوريين، وحزب الاتحاد، والحزب الوطني مضافا إليهم المستقلون، وهم بطبيعة الحال لا يرجحون فريقا على فريق إلا بعد اجتماع البرلمان والاقتراع على الثقة. وبهذه الدعوى استقالت الوزارة لتتألف مرة أخرى من جميع الأحزاب وفاقا لما ظهر لها من نتيجة الانتخاب، وقال زيور باشا في خطابه إلى جلالة الملك: «لما كان البرلمان قد أوشك أن ينعقد، فإن الوزارة ستعلن خطتها السياسية عند تقدمها إليه، وإني أتشرف بأن أعرض على سدتكم أسماء حضرات الوزراء الذين قبلوا معاونتي في هذه المهمة محتفظا لنفسي بمنصب وزارة الخارجية، وهم: يحيى إبراهيم باشا لوزارة الحقانية، وتوفيق دوس بك لوزارة الزراعة، وإسماعيل سري باشا لوزارة الأشغال العمومية، ويوسف قطاوي باشا لوزارة المواصلات، وعلي ماهر بك لوزارة المعارف العمومية، ومحمد علي بك لوزارة الأوقاف.»

ومن هؤلاء الوزراء أربعة من الأحرار الدستوريين، وأربعة من الاتحاديين، والبقية من المستقلين، واحتفظ زيور باشا لنفسه بوزارة الخارجية خلافا للعرف الذي اطرد بالجمع بين رئاسة الوزارة ووزارة الداخلية، ودليل على أن وزير الداخلية لا يزال في هذه الوزارة منوطا بمهمة خاصة للإشراف على الانتخابات، وتسخير الإدارة في ضم الأنصار، وتشتيت الخصوم لا يضطلع بها كل وزير، ولا يضطلع بها زيور باشا من باب أولى.

Shafi da ba'a sani ba