Sa'ad Zaghloul Shugaban Juyin Juya Hali
سعد زغلول زعيم الثورة
Nau'ikan
أما كيف تحولت السلطة البريطانية في مصر من الحجر الشديد إلى السماح للوفد بالسفر حيث شاء، فخلاصة القول فيه أنه تحول ضروري قضت به الثورة، فلم يسع السلطة إلا أن تنقاد لحكمه في النهاية؛ لأنها عجزت عن تيسير الأمور بأيديها، وعجزت عن تأليف وزارة وطنية تقبل الحكم والوفد محبوس عن السفر، فلم تجد بدا من إطلاق سبيل الوفد عسى أن تفرج شيئا من حرج الموقف، وتمحو شيئا من الحفيظة التي أفعمت قلوب المصريين وزادتها الفظائع في إبان الثورة ألما على ألم.
وقد أدركت القيادة العسكرية من اللحظة الأولى أنها أخطأت التقدير، وانتهت باعتقال الزعماء إلى عكس ما تريد؛ لأن اعتقالهم لم يردع السيل المتجمع وراء السدود، وإنما جاءه بمدد جارف أطلقه ودفع به شوطا وراء شوط، ورسم للمصريين طريق المقاومة، فمن شاء منهم أن يرجع فلا حيلة له في الرجوع، ومن خطر له أن يتردد فليس أمامه موضع للتردد ... وأن أول من دعا إلى الثبات والمثابرة لهم أول من أصيب باعتقال الزعماء ومن هدد بهذا الاعتقال، وأول من ظن بهم أنهم يتقهقرون ويوجلون: قرينة سعد وخلفاؤه المتروكون في القاهرة!
فالسيدة الجليلة قرينته لم تضيع لحظة واحدة في الحزن والجزع الذي لا يفيد ... عادت من زيارة إحدى شقيقاتها حيث كانت ساعة الاعتقال، فما هو إلا أن علمت بما حدث أثناء غيابها حتى كان أول ما خطر لها أن أرسلت إلى شعراوي باشا تبلغه أن مكتب سعد مفتوح له ولزملائه في غياب سعد كما كان في حضوره وترجوه وزملاءه أن يقبلوا دعوتها إلى العشاء في ذلك المساء، وأن يعقدوا جلستهم الأولى في مكان انعقادها المألوف؛ لكيلا يطرأ على سير الدعوة أقل تغيير بعد ذلك الحادث الذي أريد به القضاء عليها. فقرر الأعضاء أن يلبوا رجاءها وأن يشكروها عليه، واعتذروا من حضور العشاء لاشتغالهم بإعداد الاحتجاج الذي يقابلون به اعتقال الزعيم، واتخاذ الخطة التي تلائم الموقف الجديد.
ولم يكن شعور الأعضاء بعد الاعتقال شعور فزع وارتداع كما قدرت السلطة البريطانية، بل كان شعور استياء لاعتبارهم دون من اعتقلتهم السلطة في الخطر والأثر، وشعور رغبة في إفهام السلطة البريطانية خطأها وتحديها واستفزازها بإتيان العمل نفسه الذي من أجله اعتقلت سعدا وأصحابه. فكتب شعراوي باشا احتجاجا إلى رئيس الحكومة البريطانية على اعتقالهم، وأبلغه فيه أن الوفد مثابر على خطتهم، ووجه مع زملائه في اليوم التالي خطابا إلى صاحب العظمة السلطان، يلقي فيه تبعة إعراض الكبراء عن تأليف الوزارة على السلطة العسكرية:
فإنما هو النتيجة الطبيعية للخصلة التي اتخذت في مسألة سفر الوفد، فإن كل مصري ذي كرامة لا يمكنه - حقيقة - أن يقبل الوزارة في هذا الظرف من غير أن يستهين بمشيئة بلاده.
وختم الخطاب بقوله:
إليكم يا صاحب العظمة - وأنتم تتبوءون أكبر مقام في مصر، وعليكم أكبر مسئولية فيها - نرفع باسم الأمة أمر هذا التصرف القاسي، فإن شعبكم الآن يحق له أن يعتبر هذه الطريقة بادرة تخيفه على مستقبله، كما يحق له أن يكرر الضراعة لسدتكم العلية أن تقفوا في صفه مدافعين عن قضيته العادلة.
أما الحكومة البريطانية فقد أحبت أن تيئس المصريين من كل أمل في اللين والهوادة، فعينت الماريشال اللنبي مندوبا ساميا بعد نشوب الثورة بنحو أسبوع، بدلا من السير ريجنالد ونجت الذي كان من رأيه السماح بسفر الوزيرين المصريين، وقد تعمدت بتعيينه غرضا آخر هو إرهاب المصريين باسم القائد المنتصر في أقرب الميادين إليهم وهو ميدان فلسطين. وأذاعت في الوقائع المصرية أنه «منح السلطة العليا في جميع الأمور المدنية والعسكرية، وفي اتخاذ ما يراه من الإجراءات صالحا لإعادة النظام واحترام القوانين ... مع تثبيت حماية جلالة الملك في مصر على أساس متين».
وقد بدأ الماريشال اللنبي عمله بعد قدومه إلى القاهرة باستدعاء الكبراء والسراة قائلا لهم: إنه جاء إلى مصر لينهي الاضطرابات، ويتحرى أسباب الشكاية، ويزيل منها ما يقضي العدل بإزالته. وطلب إليهم أن ينصحوا الناس بالهدوء والسكينة.
فتكررت هذه النصائح التي يوعز بها الإنجليز في غير جدوى، ولم يزل متعذرا على «المستوزرين» أن يجترئوا على قبول الوزارة، ولم يزل تسيير الإدارة الحكومية في البلاد من أصعب الأمور.
Shafi da ba'a sani ba