208

Awowi Tsakanin Littattafai

ساعات بين الكتب

Nau'ikan

أحب أن يرعى وأن يصحبا

إلخ إلخ ...

قال: «وصار محمد بن داود بن الجراح يوما إلى ابن الرومي مسلما عليه فصادف عنده أبا العباس أحمد بن محمد بن عمار وكان من الضيق والإملاق في النهاية، وكان علي ابن العباس - ابن الرومي - مغموما به، فقال محمد بن داود لابن الرومي ولأبي عثمان الناجم: لو صرتما إلي وكثرتما بما عندي لأنس بعضنا ببعض، فأقبل ابن الرومي على محمد بن داود فقال: أنا في بقية علة، وأبو عثمان مشغول بخدمة صاحبه، يعني إسماعيل بن بلبل، وهذا أبو العباس بن عمار له موضع من الرواية والأدب وهو على غاية الإمتاع والإيناس بمشاهدته، وأنا أحب أن تعرف مثله، إلى أن ولي عبيد الله بن سليمان وزارة المعتضد، واستكتب محمد بن داود الجراح وأشخصه معه، فاستخرج لابن عمار أقساطا أغناه بها وأجرى عليه أيضا من ماله، ولم يزل يختلف إليه أيام حياة محمد بن داود، وكان السبب في أن نعشه الله بعد العثار وانتاشه من الإقتار ابن الرومي فما شكر ذلك له، بل جعل يتخلفه ويعيبه، ومن عجيب أمر عزير هذا أنه كان يتنقص ابن الرومي في حياته ويزري على شعره ويتعرض لهجائه فلما مات ابن الرومي عمل كتابا في تفضيله، ومختار شعره، وجلس يمليه على الناس.»

نقول: ومثل هذا في العجب أن ابن الرومي نظر آخر قصيدة له مستعطفا لابن عمار، ومطالبا بحقه بعد ما كان بينهما من الملاحاة والقطيعة.

فالرجل لم يكن شريرا ولا رديء النفس، فلماذا إذن كثر هجاؤه واشتد وقوعه في أعراض المهجوين؟ نظن أنه كان كذلك؛ لأنه كان طيب السريرة قليل الحيلة خاليا من الكيد والمراوغة والدسيسة وما شابه هذه الخلائق من أدوات العيش في مثل ذلك العصر الذي اضطربت أموره وجرت فيه العلاقات بين الحاكمين والمحكومين وبين الناس عامة على الغيلة والنفاق والمداورة ومساوئ الأخلاق، فكان ابن الرومي مستغرقا في مزاجه الفني يحسب أن الشعر والعلم والثقافة وحدها كفيلة بنجاحه وارتقائه إلى مراتب الوزارة والرئاسة؛ لأنه كان في زمن يتولى فيه الوزارة الكتاب والرواة، ويجمعون في مناصبهم ألوف الألوف من الدنانير ويحظون بالزلفى عند الأمراء والخلفاء، وقد كان هو شاعرا كاتبا وكان خطيبا واسع الرواية، مشاركا في المنطق، والفلك، واللغة، وكل ما تدور عليه ثقافة زمانه، أو كما قال المسعودي:

كان الشعر أقل آلاته، وكان الشعر وحده كافيا لجمع المال وبلوغ الآمال، فماذا عليه إلا أن يعرف الناس أنه شاعر، وأنه كاتب، وأنه راوية، مطلع على الفلسفة والنجوم فتجيئه الوزارة ساعية إليه تخطب وده، كما جاءت إلى أناس كثيرين لا يعلمون علمه، ولا يبلغون في البلاغة مكانه؟ وإذا لم تكن الوزارة، فلا أقل من الكتابة، أو العمالة لبعض الوزراء والكتاب المبرزين، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك، فهل ظلم أصعب على النفس من هذا الظلم؟! وهل تقصير من الزمان ألأم من هذا التقصير؟!

وهكذا كان ابن الرومي يسأل نفسه مرة بعد مرة ويوما بعد يوم:

ما لي أسل من القراب وأغمد

لم لا أجرد والسيوف تجرد

لم لا أجرب في الضرائب مرة؟

Shafi da ba'a sani ba