200

Awowi Tsakanin Littattafai

ساعات بين الكتب

Nau'ikan

قلنا: إن «العقدة» في تاريخ المسيح هي تعليل مزاجه الشخصي الذي سما به على ضيق العصبية، وآداب أبناء قومه وأبناء زمانه، ولكننا لا ننصف «لدفج» إذا نحن لم نشر هنا إلى احتمال قريب لعله هو الاحتمال الذي اتجه إليه نظره، فقد لا تكون هذه العقدة «عقدة» على الإطلاق في نظر لدفج؛ لأنه رأى أن سماحة المسيح لم تشمل غير ذرية إسرائيل ولم تعبر الفجوة السحيقة بين أبناء قومه والوثنيين وأشباههم من بني الإنسان، فهو إسرائيلي من إسرائيل وإن سما على عصبية الكهان والنساك.

ففي خبر المسيح والمرأة الكنعانية يقول لدفج: «ولم يطل عليه المقام في السامرة حتى عرفته امرأة كنعانية كانت في ضائقة تريد منه العون فهي تتزلف إليه وتناديه بلقب من ألقاب اليهود: ارحمني أيها السيد ابن داود. إن ابنتي يعذبها شيطان، فمضى لسبيله ولم يعرها التفاتا؛ لأنه تعود ألا يعين أحدا غير اليهود، وتوسل إليه التلاميذ أن يجيبها ويصرفها لأنه تصيح خلفهم، فأبى أن ينحرف عن الشريعة، وعن عادته التي جرى عليها، وهز رأسه للمرة الثانية وهو يقول لهم: «إنما بعثت إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل.» أما المرأة فقد أصرت ولحقت به وألقت بنفسها أمامه وهي تناديه: أيها السيد، ساعدني! فأعرض مرة ثالثة عن نداء قلبه، وقال لها بجفوة: ليس حسنا أن نأخذ خبز البنين ونطرحه للكلاب، ولكن لهفة الأم المعذبة ترهف ذكاءها فتجيبه هذا الجواب الملهم: حق أيها السيد، ولكن الكلاب تأكل الفتات الذي يسقط من مائدة السادة، فقطعت هذه الكلمة آخر خيط ظل يربطه بالأوامر التي حفظها في صباه، وأحس أن المرأة الكنعانية تستحق من عونه ما تستحقه أية امرأة من إسرائيل.»

وقبل هذه القصة بسنتين اثنتين نقل لدفج كلمة المسيح لمن استغربوا مصاحبته للخطاة والمنبوذين، فضرب لهم المثل بإشعيا حين أعان المرأة الوثنية، واليشع حين أعان نعمان الوثني، وخليق بهذا أن يجعل خبر المسيح مع الكنعانية غريبا يحتاج إلى التعليل لولا أن «لدفج» لم يشأ أن يرى فيه إلا الوراثة القديمة التي لا يسهل التغلب عليها، وله في ذلك رأيه، وإن كان قرب المسافة في كتابه بين القصتين يقضي عليه بتمهل غير قليل للتوفيق والتفسير.

على أن لدفج لم يأت في تاريخ المسيح بشيء يصعب على أي إنسان أن يذكر مثله في مألوفاته، ويراه أحيانا في مدينته إن كان من أهل المدن، أو في قريته إن كان من أهل القرى، ولسنا نعني بذلك تبسيطه للخوارق والمعجزات، وإهماله لبعضها كل الإهمال، وتفسيره البعض الآخر بالإيحاء وسلطان العقيدة. كلا! لسنا نعني ذلك لأن أناسا مشغوفين بالمسيح أشد من شغفه قد فعلوا مثل فعله في تبسيط الخوارق والمعجزات، ولكنا نعني أنه أوشك أن يقطع كل صلة بين عظمة المسيح وعظمة الأثر الضخم الذي حدث في العالم باسمه، فكأن المسيح كان يستطيع أن يرتفع إلى عظمته بيننا لو كان أقل من ذلك تفوقا وعبقرية وصدقا، بل يخيل إلينا أن لدفج يتكئ جدا على النوبات العصبية، ويحب أن يفسر بها أمورا كثيرة كوجوم المسيح في العرس يوم ظنت به أمه الجنون، وهجومه على الباعة والصيارفة في ساحة الهيكل، ثم صفحه عنهم وقد عادوا إلى ما كانوا عليه، وسكونه بين يدي الحبر الأعظم وبيلاطس ، وطوارئ أخرى ذكرتها الأناجيل واتفقت عليها أو لم تتفق فردها لدفج إلى أسباب عصبية كثيرة التقلب والاضطراب، ولو أننا قبلنا هذه التعليلات لما شذذنا عن طبيعة الحياة، ولكننا نواجه بقبولها خارقة مدهشة في هذه الدنيا، وهي أن يكون المسيح مغلوبا على أمره بالمزاج الذي تخيله لدفج، وأن تكون له مع ذلك تلك الآداب الرفيعة، والسجية المحبوبة، والأثر الكبير.

وخير لمثال الكمال الإنساني أن تعلل المناقضات في سيرة المسيح بعقيدته الموروثة، أو تناقض الأحوال في زمنه، واتساع الفاصل بين روحه وأرواح سامعيه، من أن نعللها بتلك «العصبيات» الدارجة الرخيصة التي لا تصلح للوزن في هذا الميزان.

4

المسيح في الهند

في سنة 1887 وصل الكاتب الروسي «نقولاس نتوفتش» إلى الهند؛ لتعرف الشعوب الهندية، والبحث في أخلاقها، وأديانها، وآثارها الفخمة العجيبة، وطبيعتها الضخمة المهيبة، وظل يطوف من مكان إلى مكان على غير ترتيب سابق، حتى انتهى به المطاف إلى التبت الصغرى فاعتزم العودة منها إلى بلاده الروسية من طريق قره كروم والتركستان الصينية، ولكنه بينما كان يزور البيعة البوذية هناك أعلمه كبير الكهنة خبرا عجيبا عن المسيح وسياحته في الهند، وقال له الكاهن: إن السجل الذي يرجع إليه في تفصيل ذلك موجود في محفوظات «الحسا» عاصمة التبت الكبرى، وكعبة الحجاج في تلك الديار.

قال الكاتب: ولما كنت أستبعد العودة إلى زيارة الهند مرة أخرى، أرجأت أوبتي إلى أوربا ريثما أطلع على تلك المحفوظات، وإن كلفني الأمر رهقا، أو حملني مشقة الرحلة إلى «الحسا» فهي ليست من الخطر والمشقة بحيث يتوهم المتوهم، وهبها كذلك فقد تعودت أخطار السفر، ورضت نفسي على الضرب في مجاهل البلاد.

وزرت وأنا في عاصمة التبت الصغرى ديرها العظيم، القائم في أرباض المدينة فأطلعني رئيس الكهان فيه على المحفوظات التي لها صلة بتاريخ المسيح عندهم، وتفضل بتلاوتها علي والترجمان ينقل لي ما يتلو، وأنا أدون ما أسمع في دفتري حتى استوفيت ما في تلك المحفوظات، وهذه خلاصته:

Shafi da ba'a sani ba