Awowi Tsakanin Littattafai
ساعات بين الكتب
Nau'ikan
وقد يرى النائم في لمحة عين ما لا يراه المستيقظ في أيام، فبين اللحظة التي يسمع فيها النائم صوت المدفع، واللحظة التي يستيقظ فيها من نومه لا ينقضي أكثر من ثوان قليلة، ولكنه قد يرى في هذه الثواني معركة أو نكبة يطول شرحها، ولا يزال يخرج فيها من مأزق إلى مأزق ومن حادث إلى حادث، تضيق عنه الساعات الطوال، فيرى الجيوش ويرى الصفوف ويتمثل الميدان ويستجمع فيه من حركات الكر والفر، ويخترع أسباب الحرب بين الفريقين ويدخل فيها بهوى من أهوائه، ثم يباغته صوت المدفع، ويخامره الخوف فيستيقظ وهو لا يصدق أن هذه المناظر كلها وردت على مخيلته في أقل من دقيقة واحدة، فلو أنه وصف الثانية أو الثانيتين اللتين عبرتا به وهو في تلك الرؤيا بأنها فترة طويلة من الزمن لما كان مخطئا في تقديره، ولكان المخطئ هو الذي يقول له: إن الثانية أو الثانيتين لن تكونا في الزمن إلا قصيرتين!
هذه حقائق العيان التي لا مراء فيها، فإذا انتقلنا من العيان إلى الخيال فليس بالمستغرب أن نصف اللحظة بأنها تكون طويلة، وتكون قصيرة على حسب الخواطر والذكريات التي تصاحب تلك اللحظة في النفس، ونحن على صواب في كلا الوصفين، فساعة اللقاء بين الحبيبين لمحة طائرة وأبد حافل بالصور والأخيلة والمعاني والخواطر، وأنت تصفها مرة بأنها عقيقة البرق في سرعة وميضها، وتصفها مرة أخرى بأنها الخلود في اتصاله ودوامه، بل أنت تصف الساعة الواحدة من تلك الساعات بالوصفين معا، فلا تكون على خطأ في هذا ولا في ذاك، فإذا استحضرت لهفتك عن فواتها وشوقك إلى المزيد منها فهي قصيرة خاطفة، وإذا استحضرت أحاديثها، وإحساساتها، وانتقالك فيها من حلم إلى حلم، ومن متعة إلى متعة، ومن خيال إلى خيال وكبرت كل خيال وكل حلم وكل إحساس وكل كلمة في خلدك أضعافا مضاعفة، لم تكن بك حاجة إلى اقتضاب تلك الصورة المتساوقة والخوالج المتوافقة، بل كانت حاجتك إلى التمادي فيها والاستطالة لها، والإغراق في تقليبها وتوسيعها، فإذا هي أمامك قصة لو أردت أن تكتبها لجاءت في مجلدات ضخام تقرؤها في ساعات بل في أيام، والساعة بعد هي هي لم تختلف ولم تطل ولم تقصر إذا وقفنا في قياسها عند تلك الآلة التي ترصد لتقسيم الزمان.
فليس من الخطأ إذن أن نقول في ليلة من ليالي اللقاء:
ليلة أسرعت وهل يبطئ السا
لك إلا في الحرة العوجاء
2
ثم نقول في تلك الليلة بعينها فضلا عن ليلة أخرى:
طالت ولا غرو فالجنات خالدة
وفي الوصال من الجنات ألوان
لأن مقياس الوقت في الإحساس - وفي الشعر الذي هو صورة من الإحساس - ليس هو الساعة المركبة من حديد ونحاس، وإنما هو النفس المركبة من خيال وتصور وشعور، وهذه النفس قد تنظر إلى العام فإذا هو لمحة للهفتها على فواته، وقد تنظر إلى اللمحة فإذا هي دهر سرمد لازدحامها بالمنظر بعد المنظر، والخيال بعد الخيال، إلى غير نهاية يحدها الحس ويقف عندها الاستحضار.
Shafi da ba'a sani ba