Awowi Tsakanin Littattafai
ساعات بين الكتب
Nau'ikan
وأرى أن إيمان الأستاذ بالرجعة والدور والتسلسل قد تزعزع بعد مناقشتنا إياه في مقدماته وأسبابه، فهو اليوم يشترط أن تظل مجاميع الكواكب منقسمة «في هذا الفضاء غير المتناهي إلى أجرام قد تباعد بعضها عن بعض فكان بينها مسافات شاسعة» ليجوز له أن يقول: إن الأشكال متناهية وإنها لا بد على هذا أن تعود إلى ما كانت عليه كرة أخرى، وليس أمام الأستاذ إلا خطوة أخرى لينكر الدور والتسلسل كما ننكره نحن، ويكفر بدين لا يجدي على المؤمن به غير تكرار البلاء الذي نفر منه إلى الإيمان، فإن أمامه أن يقول: إن الجواهر لا يمنعها مانع أن تأبق من مجموعة إلى مجموعة أخرى في الفضاء فتغير عدد الجواهر، وتتغير الأشكال ولا تعود الجواهر إلى أشكالها في حاضر ولا ماض، وهو سواء أقال ذلك أم لم يقله غير مستطيع أن يحجر على الجواهر أبدا أن تنتقل من مجموعة إلى مجموعة في طويل الآباد والأبعاد. •••
وبعد، فما بال الأستاذ يدفع عن نظرية الدور والتسلسل كأنها نظريته التي استنبطها، ولم يسبق إليها؟ ألا يعلم أن الرجعة مذهب من مذاهب الهند الأقدمين؟ بل ألا يعلم أن نيتشه قال بها في هذا العصر وتطرف فيها كما تطرف هو، فانتظر أن يئوب إلى الأرض هومر والمسيح ونيتشه وكل حي وكل موجود؟ «فكل شيء يذهب وكل شيء يعود ودولاب الوجود أبدا يدور، وكل شيء يموت وكل شيء يزهر كرة أخرى وفصول الوجود أبدا في تكرير، وكل شيء يتحطم وكل شيء يلتئم وبيت الوجود أبدا يبني نفسه من جديد، وكل شيء ينفصل وكل شيء يرجع إلى اللقاء، وحلقة الوجود أبدا على عهدها المعهود»، هكذا يقول زرادشت أو هكذا يقول نيتشه في أسلوب الأنبياء والكهان.
ولم يكن نيتشه في حاجة إلى كبير عقل ليهتدي إلى نظرية الدور والتسلسل، فالأستاذ يعلم أنه كان عبقريا ملتاث الفكر ، وربما علم أنه كان على وشك الجنون يوم اهتدى إلى هذه النظرية التي لا تستريح إليها العقول، بارك الله في عقل الأستاذ وصرف عنه السوء، وأكثر من أمثاله وإن كان هو يزعم أن أمثاله كثيرون يعدون بالملايين في عوالم هذا الفضاء.
أرباب مهجورة1
كانت الأقدار في عون الآلهة التي لم ترزق حظها من العبادة، ولم يكتب لها نصيبها من الصلوات والقرابين. إن الجائع الذي لا يجد طعامه لبائس جد بائس، ولكن أشد منه بؤسا وأبلغ منه شقاوة ذلك الإله الذي خلق ليؤمن به المؤمنون، والذي نحت من معدنه لتخر له الجباه وتستلقي في محرابه الهامات، ثم هو باق في العراء مستلق على الرمال، لا محراب ولا كهان ولا دعاء ولا صلاة، فهذا بؤس الآلهة وهو إله البؤس كما يقولون! ولعل الجائع الذي ضل طعامه واجد من يعطف عليه ويرثي لحاله، أو غير يائس من لقيمات يقتات بها من يد غني أو فقير، أما الآلهة المنكوبة في عبادها فلا عزاء لها ولا عطف بينها ولا رجاء في إنسان ولا إله؟! ومن أين يأتي العطف في عالم الآلهة؟ ليس بين الكائنات العليا إلا تقاليد البلاط أو شارة العداء والقتال، وأما الناس فهم إما معطوها العبادة أو معطوها الفناء، وهي عندهم إما رب يطاع أو حجر يلقى على عرض الطريق، فويل للآلهة المسكينة من عبادها الأقوياء عليها، ثم ويل للعباد من آلهة لا تحفظ نفسها، وهم يرجونها لحفظ العالمين!
في الوادي الشرقي من أسوان إلهان أو ثلاثة من هذه الآلهة معزولة، تركها الناحتون حيث نحتوها من الصخر الخامل المنسي في غمار المناجم، وضنوا عليها بالنقل إلى حيث تقام على قدميها وتتلقى نصيبها من الدعاء والبخور، تركوها في العراء وأودعوها ذمة الخمول، فلا يعلم الناظر إليها من هي ولا من هم أولئك الذين جنوا عليها تلك الجناية، فلا هي من الصخر ولا هي معدودة في زمرة المعبودين، وهي هناك عمل لم يبلغ تمامه وشيء لم يأخذ له صورة في الأخلاد، وبنية شائعة بين الآلهة والملوك يطلق عليها كل اسم ولا يطلق عليها اسم من الأسماء، أهذا «أوزوريس»؟ نعم في زعم أناس يعرفون ملامح الإله ويأخذونه بالمخايل والأشباه! فمسكين هذا «الأوزوريس» النكرة يكاد لا يعرفه أحد بين الصخور إذا فقد الشارة والعلامة! ومسكينة تلك الإلهية التي تنتهي بصاحبها إلى هذا المصير.
وإذا سألت أناسا آخرين من أصحاب الآلهة الأقدمين أنكروا الشبه، وقالوا لك: لا، ليس هذا صاحبنا «أوزوريس» ولا هو في السمت الذي عهدناه لذلك الإله العظيم، وما هو إلا ملك مجهول أو إله لم يدرج اسمه بعد في دفتر المواليد، فمن هو! لا نعلم ومن ذا الذي يعلم الملوك والأرباب إذا تجردوا من الحلل وخرجوا من المحراب!
وإذا أعدت إليهم السؤال عن الجبار الآخر المطروح على مسافة منه، فعلمهم به كعلمهم بذاك وعلمهم بهذين كعلمهم بكل أثر هنالك لم يبلغ التمام ولم يكشف عنه اللثام، وغاية ما يهديهم الظن إليه أن هذه الآثار قد تكون لأبي «إخناتون» رسول الشمس والوحدانية، ومنكر الأوثان والوثنية، مات الوالد ميتته العاجلة فعق الولد تذكاره برا بأتون وإشفاقا على الدين الحديث من بقايا الدين القديم.
أو أن «أمنحوتب الثالث» والد ذلك الرسول قد غضب على عامل التماثيل، فلم ينقده أجره وأقصاه عن حظيرته، ونبذ تماثيله في مكانها ثم عوجل بالموت فلم يعن خليفته بأمرها، يعزز هذا الظن أن اسم الملك منقوش على لوحة من الصخر هناك يواجهها عامل التماثيل داعيا مبتهلا وهو ممحو المعارف مدثور السمات، فهل صنع الملك به ذلك الصنيع من غضب عليه أم صنعه به أناس من مشوهي الصور وكارهي هذه العبادات؟ هنا ينتهي الظن إلى ظنون، وهنا لا نعلم نحن ولا هم يعلمون.
أما المكارون الذين يصحبون رواد الآثار في ذلك المكان، فعلمهم بكل شيء فيه علم اليقين وتاريخهم الذي يقصونه عليك لا تلعثم فيه ولا تشكيك. هذا تمثال رمسيس. وذلك تمثال آخر لرمسيس، وذلك مقعد عظيم كان يجلس عليه رمسيس، فما أسعد ذلك الملك في عالم الذكر والخلود! لقد جار في حياته على آثار الغابرين فدعاها لنفسه، وطمس أسماءهم ليلحقها باسمه، ثم ها هو بعد آلاف السنين من ذهاب سلطانه ينحله الشعب ما لم يعمل، وينسبون إليه ما ليس له من أثر، ويجعلون اسمه عنوانا لكل مالك وكل معبود وكل تمثال! فما من تمثال إلا هو تمثال رمسيس، وحسب الملوك الآخرين عزاء أنهم معروفون عند العارفين، ومجهولون عند أولئك الجاهلين!
Shafi da ba'a sani ba