82

Yaron da Yake Fuskar Wata

الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

Nau'ikan

قال لورينت باللغة الفرنسية: «قطار!» وكانت الكلمة الوحيدة التي سمعتها منه.

ردت ليدي باللغة الفرنسية: «نعم.»

كان كثير من النزلاء يرتدون مناديل عنق كبيرة، على شكل صدريات أطفال، استعدادا لطعام الغداء. كانت فرانسين على كرسي متحرك؛ وبسبب إصابتها بشلل دماغي، كانت لا تستطيع الكلام، على الرغم من أنها كانت تستطيع إصدار بعض الأصوات، وكانت تهتم اهتماما شديدا بمن حولها. هناك نزيل آخر يدعى جان كلود، كان يمكنه التنقل بنفسه بالكرسي المتحرك، وكان يحب الكونياك، وكان يمكنه سماع ما يقوله الآخرون، ولكن لا يمكنه الرد، وكان يحمل الشيء المفضل لديه، وهو لعبة على هيئة حيوان راكون محشو، أينما ذهب، وقد كان في نفس سني. أما سابينا فيبدو أنها مصابة بشكل حاد من متلازمة داون، وكانت تقضي معظم وقتها صامتة على الكرسي المتحرك.

الشخص الذي لفت انتباهي أكثر هو رجل صغير الحجم، ومحني الظهر، ويقظ يدعى جيجي. كان عمره 46 عاما، وكان يذكرني بووكر، وأذهلني ما بينهما من تشابه كبير؛ كنت أستطيع ملاحظة فضول جيجي الذي لا يتوقف، ووحدته الدائمة، فهو لم يكن يتكلم قط، بيد أنه كان يلاحظ ما حوله باهتمام ومكر، ورأسه مائل، وقد كان يجعله الغناء يبتسم، وكان يحدث أصوات فرقعة بفمه، ويمشي بطريقة غريبة، إذ كان نصف منحن، ومن عادته الحملقة في يديه كما لو كانت يدي شخص آخر، تماما كما كان يفعل ووكر.

لم يتحدث أحد في لآرش عن الدمج، الطريقة التي يتحدث بها أحيانا العاملون في دور الرعاية التقليدية المخصصة للمعاقين؛ أنشئت هذه الدار للمعاقين ولم يكن يدعي أحد فيها أن نزلاءها سيكونون في نهاية المطاف جزءا من المجتمع «العادي»، فالناس أمثالي غرباء هنا. هناك روتين وبناء ومجتمع من الأفراد، ولحياتهم أهمية على ما هم عليه، دون الحاجة لأي قيمة مضافة. تم إعداد المائدة، وتلاوة صلاة الشكر، ووضعت حافظات أدوية جلدية حمراء بعناية أمام كل نزيل على المائدة، إضافة إلى الأدوية المساعدة على الهضم؛ صيدلية أدوية منظمة صغيرة بجوار كل كوب ماء. وكان يمكن لبعض النزلاء أن يأكلوا بأنفسهم، ولكن كثيرا منهم كانوا يحتاجون إلى مساعدة في إطعامهم بالملعقة. وبينما كنا نأكل، كان المساعدون يتحدثون مع النزلاء الذين كانوا يقومون برعايتهم، ويرد النزلاء إما بصوت النخر أو الضحك أو الأنين أو الزقزقة، وكان جيرارد النزيل الوحيد على المائدة الذي يمكنه بدء ما كان يبدو لشخص من العالم الخارجي وكأنه محادثة، بيد أن هذا لم يكن يمنعهم من التحاور. كان هذا شكلا من أشكال الحديث، ولكن ما عليك إلا أن تترك الحديث يأخذك إلى منتهاه.

بعد الغداء، عاد إلى العمل النزلاء الذين كانوا يعملون في ورش لآرش ويصنعون حليا صغيرة ومجوهرات، وذهب الآخرون للمشي. فهو مجتمع للمعاقين، ولا جدال في ذلك، ولكن لأن المعاقين كان ينظر إليهم - وهم ينظرون إلى أنفسهم - على أنهم متساوون مع الآخرين، فلا مجال للشعور بأن هناك ترتيبا «خاصا». كان هذا عالمهم، وليس عالمنا، وهذه معاييرهم، وليست معاييرنا. كانت حركة الحياة أبطأ، والحياة نفسها أيسر. صحيح أنه كان هناك تأخر ومشكلات، ولكن الجميع كان يتقبل ذلك. لقد كان مكانا رائعا حقا، ولم يوحي مطلقا بأن الحياة ينبغي أن تكون غير ذلك. ***

بعد شهرين من زيارتي لمؤسسة لآرش، وفي حفلة أقيمت في تورونتو، سخر صديق لي من ورع جان فانيه، فقال: «من الصعب جدا أن تتقبل أن شخصا يتمتع بذكائه وفرصه في الحياة يريد أن يعيش مع هؤلاء الناس ... ولكن ربما يريد أن يتأكد دوما من أنه الأذكى في المكان.» ما استنتجه صديقي كان مزحة رهيبة، لو سمعها فانيه لضحك عليها على الفور.

ولكن كان هناك شيء يدعو إلى المزحة؛ إذ لفانيه سمعة كبيرة، نتيجة لحياة كرسها للإنجاز؛ فقد أسس مؤسسة لآرش، وقد كان مرشحا دائما للحصول على جائزة نوبل للسلام، وقد كتب العشرات من الكتيبات والكتب، بما في ذلك الكتاب الأكثر بيعا على المستوى العالمي: «كيف تصبح إنسانا».

ولكن على المستوى الشخصي، كان فانيه شخصا مهيبا؛ فمنزله - المنزل الذي يعيش فيه حين لا يكون على سفر عبر العالم من أجل مؤسسة لآرش - كان عبارة عن كوخ حجري صغير جدا يقع خلف الشارع الرئيسي لترولي-برويل. وبداخله وخلف مكتب ضيق بالقرب من مطبخ متواضع، وجدت رجلا طويلا خجولا متواضعا ذا لحية بيضاء، يلبس سترة لونها أزرق فاتح.

ولد جان فانيه في جنيف بسويسرا، في العاشر من سبتمبر عام 1929، بينما كان والده جورج فيليس فانيه - وهو جنرال متقاعد في الجيش الكندي - هناك في مهمة دبلوماسية. التحق فانيه بالمدرسة في إنجلترا، ولكن في بداية الحرب العالمية الثانية ذهب ليعيش مع إخوته في كندا، من باب الأمان كما فعل كثير من الأطفال الإنجليز الآخرين.

Shafi da ba'a sani ba