106

Yaron da Yake Fuskar Wata

الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

Nau'ikan

الآن المسئولون في أونتاريو، الذين يديرون نظام الرعاية الصحية في المكان الذي أعيش فيه، حريصون على أن يبدون كأنهم يبذلون أقصى ما في وسعهم للقضاء على فترات الانتظار لإجراء الجراحات؛ فإذا أردت تركيب ركبة جديدة حتى أتمكن من التزلج بصورة أفضل، يمكنني الحصول عليها في غضون ستة أشهر، وإذا عرفت الطبيب المناسب، يمكنني إجراء الجراحة في غضون أسبوعين؛ فلماذا إذن يستغرق الأمر سبع سنين من البحث والطلب والاستجداء من أجل إيجاد مكان محترم يجد ابني فيه رعاية مناسبة، ويشعر فيه بإنسانيته؟

في تلك الأيام، هناك حلم يقظة كثيرا ما أتخيله؛ حيث أرى أن ووكر وأمثاله يعيشون في مجتمع مثل مجتمعات مؤسسة لآرش بمعاونة المساعدين، وهو مكان جميل في بقعة جميلة تطل على البحر أو الجبال، لأنه في هذا المكان، ليس فقط القادرون ماديا هم من يستطيعون النظر إلى هذه المشاهد الخلابة، ولكن أيضا الذين قد يحتاجون إلى الجمال أكثر؛ لأنهم فقدوا كثيرا منه في حياتهم. وفي حلمي، يمتلك هذه القرية ويسكنها المعاقون، وفقا لرؤيتهم وإيقاعهم ومعاييرهم للنجاح؛ ليس المال أو النتائج، ولكن الصداقة والألفة والصحبة. وفي حلمي، نحن - الطبيعيين - من يجب عليهم أن «يندمجوا» في مجتمعهم، وأن يتكيفوا مع إيقاع حياتهم ومكانهم. يمكنني ترك هذا المجتمع، يمكنني العودة إلى حياتي الأكثر ضغوطا وطموحا وحتى الأكثر إثارة، ولكن يمكنني أيضا العودة للعيش مع ووكر، كما يعيش ووكر؛ ببطء ودون أي مساع أخرى غير أن يعيش على طبيعته.

ولأنه في حلمي «يرغب» الكثير من الناس - الملحنون، والكتاب، والفنانون، والطلاب، والحاصلون على درجة الماجستير في إدارة الأعمال الذين يحاولون الحصول على درجة الدكتوراه في نفس التخصص، والباحثون والمديرون الذين هم في إجازة طويلة - في زيارة مجتمع ووكر والعيش فيه لفترات زمنية ممتدة في المرة الواحدة. يمكننا نحن أيضا الاستمتاع برفاهية العيش في قرية ووكر لبضعة أسابيع أو شهور في المرة الواحدة، في غرف جميلة حيث المناخ يساعدنا على إنجاز عملنا وفننا ودراساتنا. والتزامنا الوحيد سيكون محاولة الاندماج في عالم المعاقين بتناول الغداء والعشاء معهم، وبتحميم أحدهم مرة في الأسبوع. وفيما يتبقى من وقت، نستطيع التفكير والكتابة والرسم والتأليف الموسيقي والتحليل والحساب، ولكن عندئذ سيكون المعاقون قد أنجزوا عملهم، وحققوا أهدافهم، وغيروا نظرتنا إلى العالم، وسنكون قد استفدنا منهم أكثر بكثير مما أفدناهم، ولكنهم لن يمانعوا ذلك. وسيكون ووكر قد قدم مساهمته للمجتمع، بمجرد كونه هناك. كما قلت، هذا حلم. ***

مرت عدة أشهر بعد إجراء ووكر للاختبارات الوراثية الخاصة به قبل أن أتوقف عن كراهية علم الوراثة. لم أكره كيت روين، فعزلها للجينات المرتبطة بمتلازمة القلب والوجه والجلد يسهل تشخيص المتلازمة؛ مما يعني أن البدء في التدخل العلاجي المبكر يمكن أن يحدث في أقرب وقت. ولم أكره حقيقة أن إيجاد علاج وراثي لأعراض تلك المتلازمة تبعدنا عنه أجيالا، أو حتى أن الدكتورة روين كانت هي الوحيدة التي قابلتها وأكدت أن جين تلك المتلازمة سيكون له دور في علاج مرض السرطان.

ما كرهته هو فكرة أن حياة ابني اختزلت خطأ في حرف من سلسلة حروف طولها ثلاثة مليارات حرف، في نيوكليوتيد واحد صغير. وكانت تلك الحتمية التي يتسم بها علم الوراثة هي ما يضايقني، وقد قابلت علماء وراثة بارزين كان لديهم نفس الشعور. كتب كريج فينتر، رائد الأعمال الذي ساعد في إنشاء مشروع الجينوم البشري، وأحد الأشخاص القلائل الذين خضع الجينوم الخاص بهم لتحديد التسلسل الخاص به على نحو كامل، يقول في هذا الشأن في سيرته الذاتية التي بعنوان «فك شفرة حياة»: «لم تصنعنا الجينات، جسدا وعقلا.»

في جامعة أكسفورد، هناك عالم وراثة شهير اسمه دينيس نوبل - مؤلف كتاب «موسيقى الحياة: علم الأحياء فيما وراء الجينوم» - ذهب أبعد من ذلك؛ إذ قال إنه من الممكن من الناحية التجريبية أن نحدد ارتباط جين معين بحدوث طفرة ما، كما توصلت روين وزملاؤها من الباحثين، «لكن خلاف ذلك، إذا تصور الناس من خلال هذا الأمر أنه بالإمكان تحديد وظيفة ذلك الجين، فهذه قفزة إلى نتيجة غير صحيحة.» لقد اتضح أن تركيب الجينوم البشري أبسط بكثير من المتوقع، ولكن علم وظائف الجينات في البشر - طريقة عمل الجينات الفعلية - أكثر تعقيدا بدرجة كبيرة مما يتصوره أي أحد.

والأكثر أهمية، كما يؤكد نوبل، أن فهم البشر بوصفهم نتاج الجينات وحدها، من النيوكليوتيدات فما فوق، يعد تسخيفا للأمور. أخبرني بالتليفون من جامعة أكسفورد ذات صباح: «تعد التداعيات الاجتماعية والأخلاقية لفهم الإنسان على أنه مجرد نتاج للجينات فما فوق عميقة.» كان يتحدث بلكنة إنجليزية فصيحة لافتة. وأضاف: «يبدو لي أن أحد الآثار الأساسية التي ظهرت نتيجة لجاذبية فكرة كون الإنسان نتاج الجينات وما فوق الخاصة بعلم الوراثة، هو أنه كما يكشف أسرار الجسم البشري، فهو يجرده من إنسانيته.»

فيما يخص العقل - الشيء الدقيق الغريب الذي كنت أبحث عنه في جسم ولدي، لأحصل فقط على بعض المعلومات المشتتة - فقد أكد دكتور نوبل أنه لا علاقة له بالجينات، وهي وجهة نظر خلافية، ولكن نوبل كان مصرا عليها، وأوضح قائلا: «على مستوى الخلايا العصبية والجزيئات المرتبطة بها، فالعقل ليس له أية علاقة بها؛ فأنت لا يمكنك حتى فهم فكرة القصدية دون فهم الشبكات الاجتماعية التي نوجد فيها، ودون تواصل بعضنا مع بعض. وفي رأيي إننا سنجد أن العقل يقع خارج الجسم، في الشبكات العصبية للحياة الاجتماعية والثقافية.» وكان يتبنى رؤية «البوذيين والطاويين، الذين يعتنقون فكرة أن العقل ليس شيئا، بل عملية.»

قال لي روديريك ماكينيس مساء أحد الأيام: «الجينوم البشري مخزن رائع لكنه سري للمعلومات.» كان ماكينيس يعمل رئيس قسم الوراثة في المعاهد الكندية للأبحاث الطبية، وهو رجل طويل وودود، ويملأ رأسه شعر بني، ومكتبه مليء للسقف بالبحوث العلمية والكتب وصور أسرته. وخارج مكتبه، الذي في الدور العلوي لمركز أبحاث جديد في وسط مدينة تورونتو، كان ينكب عشرات من باحثي الوراثة على أجهزة الكمبيوتر. وبينما كان ماكينيس يتحدث، كان ينظر في الأبحاث والمجلات العلمية وكتاب «الوراثة في الطب» (الطبعة السابعة)، وهو أحد المراجع الرئيسية في هذا المجال، والذي شارك في تأليفه، وأدهشني على غير العادة أن طبيبا يرجع إلى كتاب له، ولكنه اعترف صراحة أن السرعة التي تتطور بها المعلومات، وتعقد ما تشير إليه تلك المعلومات، أمر يجعل من المستحيل استيعاب المجال على إجماله، ويجعل التقدم في المجال العلاجي نادرا. وأشار إلى أن فقر الدم المنجلي هو أول مرض جزيئي (أو «جيني») عرفه العلماء، ويعود هذا إلى عام 1949. وبعد ستين سنة مضت، لم يكتشف له علاج بعد. ويتفق علماء الوراثة بصفة عامة بشأن عدد الجينات المشفرة للبروتينات في الجينوم البشري - والتي تبلغ 25 ألفا تقريبا - لكن هناك على الأقل 32 ألف جين آخر غير مشفر يوجه جينات أخرى إلى ما ينبغي أن تفعله؛ فهناك نظم للتغذية الراجعة ضمن نظم التغذية الراجعة، وهناك اكتشافات وبيانات جديدة تنشر كل يوم. وحتى الجينوم نفسه لم يحدد العلماء تسلسله بالكامل. قال: «لا تزال هناك مناطق لا نستطيع تحديد تسلسلها؛ لأنها معقدة.»

أقنعني ماكينيس بالتدريج أن مشكلتي ليست مع علم الوراثة، ولكنها مع طبيعة المرض الوراثي، وقال: «هناك أمر يتعلق بالمرض الوراثي والأطفال، وهو الطبيعة الدائمة له، والمشاعر المرتبطة بالطفرات؛ فلحظة أن تصاب به، لن تشفى منه. أما الأمراض الأخرى، فلا تدوم معك مدى الحياة، وأرى أن الطبيعة العنيدة للمرض الوراثي هي ما تجعله يسترعي الانتباه. وتتغير خطة المرض الوراثي.» ثم توقف لبرهة وأضاف: «فهو يتغير بناء على التغيير الذي يحدث للأفراد المصابين به.» وكان المرض الوراثي يبدو كشكل قاس جدا من أشكال القدر؛ فمعظم أطباء ووكر كانوا يقولون: «أراك بعد أسبوع أو أسبوعين.» بينما يقول اختصاصي الوراثة الذي يتابعه: «أراك بعد سنتين.»

Shafi da ba'a sani ba