المأمورَ به رجاءَ الثواب، واجتنَب المنهيَّ عنه خوفَ العقاب.
وغالبُ الناس في زماننا ليس من هذه المثابة في شيء، لا عليه لا من واجب، ولا من محرم، وهذا شأنُ من لا يؤمن بثواب ولا عقاب، وإن قال بلسانه: أؤمن بذلك؛ فإن القول باللسان ليس هو المقصود، إنما المقصود العملُ بالنفس، كما قال النبيّ ﷺ: "وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرجُ يُصَدِّقُ ذلك أَوْ يُكَذِّبُهُ" (١).
وهذا شأنُ المنافق، القول باللسان في سورة الظاهر، وليس ثَمَّ في سورة الباطن شيء، فالمنافقُ ليس له غيرُ صورة القولِ باللسان، والمؤمنُ على الحقيقة، إنما له حقيقةُ صورةِ العمل.
* فأولياءُ الله صانوا أنفسَهم النفيسةَ، عن حقارة الدنيا الدنية، ولاحت لهم الآخرةُ بزينتها العلية، فباعوا الدنيَّ الخسيس، بالغالي النفيسر، وصانهم مولاهم عن القاذورات، وجَنّبَهم ما يدنِّسهم، وحماهم من كل شيء [فيه] أذاهم.
فمَنْ أخافَهم، فقد عرض نفسَه للمخاوف، ومن آذاهم، فقد أوقَع نفسَه في أسباب المتالف.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا الإمامُ أبو الحسنِ: أنا المحبوبيُّ: أخبرتنا ابنة علوانَ: أنا أبو محمدٍ المقدسيّ: أنا ابن المهتدي: أنا اليوسفيُّ: أنا ابن المُذْهبِ: أنا أبو بكرٍ القطيعيُّ: أنا عبد الله ابن الإمامِ أحمدَ: حدثني أبي: ثنا سفيانُ بن وكيعٍ: ثنا إبراهيمُ بن عُيينةَ، عن
_________
(١) رواه البخاري (٥٨٨٩) عن أبي هريرة ﵁.
1 / 51