آل شكري بهجت
وفيما يلي بيت حسن قيسون يوجد بيت آل شكري بهجت، والأسرة تتكون من شكري أفندي ونعمات هانم وسامح وأمينة؛ سامح يماثلنا في العمر ويبادلنا الصداقة. وللأسرة صفة مميزة هي الثورة على التقاليد والتمرد على الزمن وإن لم يتضمن ذلك أي انحراف عن القيم الأخلاقية الحقيقية. وشكري ونعمات يكونان رابطة تعتبر مثالا للحب والتوفيق، وهو موظف بالداخلية وهي حاصلة على الابتدائية، والرجل وسيم مهيب وهي تنافس في جمالها حرم جمال بك إسماعيل. لعلها أول امرأة في العباسية تظهر في الطريق سافرة بموافقة زوجها، وتقول لأمي ضاحكة: زعيم الأمة نفسه يوافق على السفور، وعلينا أن نسير مع الزمن .. أما أمينة فلم تستعمل النقاب قط، تمضي مع أسرتها سافرة أو وحدها إذا زارت هذا البيت أو ذاك. ولما خطبت وهي في المرحلة الثانوية صاحبت خطيبها في رحلات انفرادية، ولم تكترث الأسرة لتعليقات الناس، ولم تعتد أن تكترث لأقوال الآخرين.
ويقول لنا سامح لدى كل مناسبة: الناس؟! .. ما أغبى الناس!
جملة مأثورة يرددها كلما ترامى إليه رأي لأحد في سلوكهم. - نحن نعيش في نسيج عنكبوتي من التقاليد السخيفة.
ثم يخاطب حسين الجمحي وعبد الخالق مراد خاصة: الفارق بيننا حيال بعض التقاليد السخيفة هو أنكم تمارسونها رغم عجزكم عن الدفاع عنها، أما نحن فنرميها بكل شجاعة في صندوق القمامة .. وقد تزوجت أمينة عقب حصولها على البكالوريا. كان من رأيه أن تتم تعليمها في الجامعة، ولكنها آثرت بمحض اختيارها الحب والزوجية. على ذلك كله كان شكري أفندي متدينا، ويرى كثيرا أيام الجمع وهو يغادر جامع البيومي بعد صلاة الجمعة. وفي أوائل الثلاثينيات أدى فريضة الحج، واستقبلت زوجته عودته بالزينات وأقامت سرادقا أمام البيت أحيت به ليلة للإنشاد والأذكار، وأطرب الشهود الشيخ علي محمود بصوته الجميل في سهرة امتدت حتى طلوع الفجر. ومن أسف أن الرجل توفي في نفس العام عقب مرض لم يمهله إلا أياما معدودات، ونشرت الأسرة نعيه معلنة الاقتصار على تشييع الجنازة. لم يكن ذلك شيئا مألوفا في ذلك الزمان ، ولم يكن يصرف الأهل والأصدقاء عن زيارة البيت والاستماع إلى ترتيل القرآن. وذهب الجيران للعزاء فوجدوا البيت مغلقا وخاليا من أهله. ودهش الناس لحد الانزعاج، وعجزوا عن التوفيق بين ذلك السلوك وبين ما عرف عن الزوجين من حب وتوفيق، وارتفع النقد تلك المرة حتى بلغ كبد السماء. ولما اجتمعنا كالعادة نحن الأصدقاء قال سامح: الحزن في القلب لا في السرادق، نحن لا نؤمن بهذه التقاليد، وماذا يفعل المعزون سوى أن يتسامروا كأنهم في مقهى؟! .. من أجل ذلك غادرنا البيت وانفردنا بحزننا في وقار ودون طقوس أو تمثيل .. ورغم إعجاب عزت قيسون بالمبادرات الجديدة، إلا أنه قال في شيء من الحذر: لم يكن من بأس في أن نجالسك ذلك المساء؛ فلا سخف في ذلك فيما أعتقد. على أنه استدرك بعد ذلك قائلا: على أنني لا ألومك ولا ألوم أحدا.
أما عبد الخالق فقد همس في أذني: أسرة مجانين!
وحسين الجمحي همس أيضا: عليهم اللعنة، ضنوا بإنفاق قرشين تحية لذكرى الرجل!
أما المفاجأة المذهلة فقد وقعت بعد وفاة الرجل بعامين أو ثلاثة. كان سامح قد تخرج وتوظف وتزوج زواجه المبكر، فما المفاجأة؟ ذاع وتأكد أن نعمات هانم تزوجت من رجل يماثلها في السن أو يقل عنها! إنها تقترب من الخمسين، ومسلم به أنه ما زالت في صحة كاملة وجمال غير منكور، ولكن هل يسوغ ذلك الزواج مرة أخرى؟! ويبدو أنها لم تجد من يدافع عن سلوكها في البيوت كلها، بين المتزوجات مثلما بين المطلقات والأرامل، وكأنما فقد الزواج شريعته الدينية المطلقة. أما نحن معشر الأصدقاء فقد اتفق رأينا على تجاهل الموضوع رحمة بصديقنا العزيز غير أنه كان هو الفاتح له، قال ببساطته المستفزة: العريس فاتحني أنا أولا مستأذنا، والحق أنني رحبت به.
فهتف حسين الجمحي: رحبت به؟! - لم يهن علي أن أتركها وحيدة في بيتنا، ولم لا؟ إنها جميلة وعلى أكمل صحة وعافية، لعلي وجدت صعوبة بعض الشيء في إقناعها، ولكنني قلت إنه العقل والشرع!
فتساءل عبد الخالق: والمرحوم؟ .. ألا شأن له في الموضوع؟! - المرحوم في قلوبنا، ولم يعد له شأن بحياتنا، ونحن لم نخلق الموت، ولكننا مطالبون باحترام الحياة.
Shafi da ba'a sani ba