Jagororin Juyin Juya Hali Na Zamani
رواد النهضة الحديثة
Nau'ikan
يا فتاح، يا عليم. (1) روادنا والقصة
أظن - وظني حق هو - أن أدبنا الحاضر كأكثر الآداب العالمية الحديثة، ترعرع وشب في حضن «الجريدة». فالأدب الإنكليزي الحديث، كان أولا أدبا صحفيا، وما ظهر الكتاب عندهم إلا بعد ما اشتد ساعد المنشئين في ساحة النضال الصحفي.
أما الكتاب عندنا، في هذه الحقبة، حقبة النهضة الحديثة، فكان أول ما ظهر منه إما ترجمة كتاب ديني لا بد منه «لخلاص النفوس»، يخرجونه كما تخرج دول اليوم كتاب «الدليل» للسائحين والمصطافين لهدي الناس سواء السبيل ... ودلهم على مفاتن بلادهم ومحاسنها، وأية رحلة أجل وأخطر من الرحلة الأخيرة. وإما أن يكون تصحيح كتاب تعليمي أو تأليفه أو طبعه.
ولما عرفنا الصحف والمجلات كان أدب المقالة أولا، فكتبت لتوجيه القراء في ميادين الحياة العديدة الشئون والشجون، ثم تلاه أدب القصة والأقصوصة والحكاية. وهذه الألوان كلها من «مقبلات» المأدبة الصحفية ليقبل عليها القارئ بنهم ولذة، يوم لم يكن يعني القارئ ما يعنيه اليوم من أنباء، ومشاكل اجتماعية مختلفة.
أما الكتاب العربي الأدبي الأول فخرج من دهليز الجاحظ البصري العراقي منذ ألف ومائة سنة ونيف، كما خرج الكتاب العربي الأدبي الحديث من كوخ أديب لبناني شردته عوادي الزمن عن وطنه، وهو أحمد فارس الشدياق الذي يربطه بالجاحظ أقرب النسب. أخرج الشدياق أبكار الكتب الطريفة - الواسطة، وكشف المخبا، والفارياق - قبل أن أخرج للناس جريدته «الجوائب» التي صارت فيما بعد، بطرفها النفيسة من مقالات وحكايات ، ونوادر وأخبار، و«جمل» أدبية، وسياسية؛ مدرسة سيارة تثقف القارئ العربي تحت كل كوكب.
وعرف اللبناني، قبل غيره، لأسباب دينية، كثيرا من الألسن الأجنبية، وتعرف إلى ما عند نوابغها من روائع، فترجم واقتبس واقتدى بهم في كل فن ومطلب.
تكلمت فيما مر عن شعر طلائع النهضة ونثرهم، ولا بد لي هنا من الكلام عن القصة، ذلك اللون الأدبي الذي يكاد يطغى اليوم على أدبنا الحديث. كان أكبر هم الأديب، فيما مضى، أن يكون شاعرا، أما أقصى ما يروم، اليوم، فهو أن يحصى في عداد القصصيين.
فأدب القصة الذي أضحى قبلة الشباب حين يقفون في هيكل الفن، قد كاد يطمس كل لون من الألوان الأدبية. إن هذا الضرب من ضروب الأدب يكاد يكون كل شيء في آداب الدنيا جمعاء. فحنيننا إلى رؤية أدب عربي عالمي لا يأتينا إلا من هذه الناحية، ناحية الأدب القصصي. قرأت كتابا أوروبيا يتحدث عن الآداب العالمية مقارنا بينها، ودالا على تراث كل أمة فيها، ولو لم يكن لنا كتاب ألف ليلة وليلة الذي يعده أندره جيد بمنزلة الإلياذة، وغيرها من الكتب المحتلة أعلى قمم الخلود؛ ما كان هذا المؤلف أتى على ذكرنا، فالقصة اليوم على اختلاف أنواعها هي قوام الأدب الحديث وملاكه، رافقت الإنسانية من المهد، وسوف تماشيها إلى اللحد. كانت - في الأمس - أحلاما بشرية حافلة بالجن والعفاريت والمردة، مملوءة حنينا إلى بساط الريح، وخاتم لبيك، والقضيب السحري، والقبع الأخفى وغيرها، فأصبحت الآن حقيقة، بل قل قطعة من الحياة، إذا لم نقل إنها الحياة بعينها. فأعظم بالروائي الحاذق مبدعا يخلق عالما لا يموت! فالخطبة، والمقالة، والقصيدة، لا تستهوي الأطفال والصبيان والشباب، بل الرجال الذين نسميهم بحق أطفالا كبارا، كما تستهويهم تلك القصص الرائعة التي تلقي على الحياة أشعة ثاقبة تمزق ظلماتها ودياجيرها.
تذكر جدك الشيخ كيف كان يرى كل اللذة في أن يقص عليك وعلى غيرك حكايات حياته، وما فيها من مغامرات، ألم تر إلى غضون جبينه كيف كانت تمتلئ نورا؛ إذا رأى في وجوه السامعين إصغاء إليه وارتياحا لحديثه، وإعجابا بقصصه.
فالقصة حديث البشرية منذ تجمع الناس في الكهوف، بل الإنسانية برمتها حكاية أبدية متشابكة الخطوط، جمة الألوان، أبطالها عباقرتها، ومن تأملها رأى جمالا كثيرا حتى في أشد مشاهدها قبحا، وما هذه القصص الدهرية، ذلك الميراث الخالد، إلا فصول رائعة من هذه القصة الكبرى.
Shafi da ba'a sani ba