وما لاقت بنو الأعجام منا
وقال «الملاط» في القصيدة نفسها: ... فسلي كماة الحرب يا ابنة حمير
والبيض قد سلت من الأغماد
ينبئك من شهد الوقيعة أنني
شبح الحمام وليث بطن الوادي
ففي قوله: «سلي كماة الحرب ... والبيض قد سلت ... وينبئك من شهد الوقيعة ...» روح عنترية، بل ألفاظ عنترية تشيع فيك هزة الحماس، وتمضي بك قدما في الذاكرة إلى أربعة عشر قرنا سلفت، ومهما جهد «الملاط» ليخوض بطن عصره في قوافيه لا يستطيع أن يطوي من أجيال البادية ليصل إلينا إلا نزرا قليلا، فهو يعيش هناك. إن «الملاط» طلل من أطلال العرب ولكنه غير بال.
قد يكون شاعر الحماس أجدر من سواه بوضع ألفاظه الصوانية في أفواه الأبطال القدماء؛ فلم أعرف شاعرا من شعراء اليوم يستطيع أن يبرز لك شبحا ناطقا من هؤلاء الفرسان على لوحة العصر كما يستطيع «الملاط».
لا تنحط على قصيدة من قصائد هذا الشاعر إلا رأيت للسيف جولة فيها، كما أنك لا تقع على قصيدة من قصائد «الأخطل الصغير» إلا رأيت فيها جولة للقلب، حتى إنك لتتبين في شعر «الملاط» بريق السيف خلل الدموع.
تمكن «الملاط» من أدبه ولم يتمكن من دنياه، فلقد شاء القدر أو الحظ العاثر أن يقمره حقه، وشاء إخوانه أن يطووا عنه كشحا.
كان الشاعر لخمس سنوات خلت مديرا لإحدى نواحي الجبل، فدخلت عليه في بيته ذات مساء فألفيته يدخن النارجيلة وسحابة الألم منتشرة على أديم وجهه، كأن ساعة الغروب شاءت - في ذلك اليوم - أن تحدر عنه لثام الغبطة لتظهر الكآبة وراءه، بحيث يراها لأول بادرة كل من ينظر إليه، وكأنه شعر باستغرابي فلم يتركني في حيرة أحتاج معها إلى استفهام، فنشر من فمه شفافة من الدخان وأخذ يردد أبيات «الطغرائي»:
Shafi da ba'a sani ba