150

Rum

الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب

Nau'ikan

ومهما يكن من أمر هذه الرسائل التي صدرت عن النبي إلى هرقل وغيره؛ فإن المراجع الأولية - العربية واليونانية - تجمع على أن النبي قد أنفذ في السنة 629 حملة مؤلفة من ثلاثة آلاف مقاتل إلى حدود الروم، إلى قرية المشارف، وأن المسلمين وصلوا إليها ثم انحازوا عنها إلى قرية مؤتة ليتحصنوا بها، وأن معركة حامية دارت رحاها في مؤتة وأسفرت عن مقتل عدد كبير من المسلمين، بينهم قائد الحملة زيد بن حارثة ربيب النبي، وجعفر بن أبي طالب، وأن خالد بن الوليد «دافع بالقوم وحاشى ثم انحاز وتحيز حتى انصرف بالناس.»

8

وأيا كانت الخاتمة التي لقيتها هذه الحملة، فإن نتائجها وآثارها كانت بعيدة المدى، فبينما رأى الروم فيها غارة كتلك التي اعتاد البدو أن يشنوها للسلب والنهب؛ كانت حملة ربيب النبي من نوع جديد ولم يقدر الروم أهميتها، فهي غارة منظمة قامت لتؤدي مهمة خاصة، وغدا انهزامها وقتل قائدها باعثا جعل المسلمين يتطلعون بأعين واسعة إلى الشام، كذلك أضحى تحرق المسلمين للأخذ بثأرهم قوة دفعت الأداة الحربية الإسلامية في انطلاقها السريع تطوي تلك البلاد.

9 «ولما أصيب جعفر ذهب محمد إلى منزله ودخل على زوجه أسماء بنت عميس، وكانت قد عجنت عجينها وغسلت بنيها ودهنتهم ونظفتهم، فقال لها: ائتيني ببني جعفر، فلما أتته بهم تشممهم وذرفت عيناه الدمع، ورأى ابنة مولاه زيد قادمة فربت على كتفيها وبكى.»

10

فلما كان العام التالي؛ أي السنة 630، قام الرسول بنفسه إلى حدود الروم في ظروف قاسية حرجة «في زمن عسرة من الناس وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار وأحبت الظلال.»

11

فوصل بجمعه إلى تبوك، ولم تشتبك رجاله مع أي قوة رومية، ولكنه صالح أهل جرباء وأذرح ومقنا، وصالح يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة في خليج العقبة: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنة بن رؤبة وأهل أيلة سفنهم وسياراتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمحمد أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يردونه من بر أو بحر.» ودفع يوحنا مقابل هذا ثلاثمائة دينار جزية في كل عام.

وصالح النبي أكيدر بن عبد الملك ملك دومة - وكان نصرانيا أيضا - وذلك على جزية يدفعها كل عام،

12

Shafi da ba'a sani ba